الفصل السادس و العشرين .. صفعه

173 17 29
                                    

ومضات في السماء، يصاحبها صوت الرعد.. تزخ الغيوم السوداء بحملها من المطر.. يخترق ظلام الغرفة لمضات البرق، تتنهد سما بضيق و شعور بالعجز يغلفها.. لا تعرف كيف ستخبر نديم بموضوع تأجيل خطبتهم.. فقد فاجئها رفض حياة وعدم ترحيب آيه و قلق سعاد.. الوحيد الذي قفز فرحا يحتضن صاحبه هو فواز.. ابتسمت وهي تتذكر ذلك اليوم عند عودتهم إلى الجامعه بعد طلب نديم أثناء نزهتم القصيرة قبل أسبوع.. اعلن نديم أمام فواز و سعاد بأنه سيتقدم لخطبة سما، ليهب فواز من مكانه يحتضن رفيقه و يهنئه، حتى أنهما دخلا بجولة مصارعه ارعبتها، لم تفهم لم يتعاركان و هما يضحكان !! لتميل عليها سعاد معلقة بعد أن لا حظت توتر ملامحها و خوفها القلق..
_ عليك ان تعتادي مزاحهم الثقيل هذا !!
.. التفتت سما بوجه مندهش جعل سعاد تضحك بخفه، اردفت بأستغراب..
_ هذا.. مزااح؟؟
_اجل عزيزتي.. هذا ما يفعله مصارعوا الڤايكنك !
.. تشير برأسها ناحيه نديم و فواز اللذان كان أحدهما يرفع كفيه في الهواء و الآخر يكيل عليهما اللكمات.. تبدلت ملامح سعاد إلى الجد و القلق وهي تتأمل سما المبتسمه تراقب الصديقان المجنونان.. دنت منها اكثر فوق المصطبة الخشبية حيث تجلسان و سألت بصوت خافت بنبرة اهتمام..
_ هل انت متأكدة يا سما ؟
.. نظرت لها سما بعدم فهم، لتضيف سعاد..
_ بشأن الخطبه.. هل انت متأكده ؟ اليس الوقت لا يزال مبكرا على قرار كهذا ؟ أنت و نديم عرفتما بعضكما منذ أشهر قليله.. يعني، ربما مشاعركما ليست واضحه بعد.. لو تعطي نفسك فرصه وتفكري اكثر.. انتظروا على الأقل لغاية تخرج نديم، ستكونين انت حينها قد وصلتي لمرحلتك الدراسية الثالثه، فأن لاتزال مشاعركما كما هي ارتبطوا بشكل رسمي و بعد تخرجك يمكنما الزواج..
.. تتابع سما كلام سعاد الهادئ و المنطقي، لكنها لن تجراء على قول ذلك لنديم ابدا.. بالاضافة الى أنها هي من ترغب و بشده ان ترتبط به بأسرع وقت ممكن، لما سيمدها ذلك من استقرار نفسي و طرد لمخاوفها ولو جزئيا من قلقها الدائم من فقدانه.. و ربما هذه تعتبر أكبر مخاوف سما ( الفقدان ) ما عاشته في طفولتها زعزع لديها شعور الانتماء وسلب منها امان الاحتواء.. لتكبر على فكرة واحده.. بأنها غير مرغوب بها، هي مجرد حمل ثقيل، عاله، مسؤولية اضافيه، عليها أن تتقبل أي شيء و أقل شيء يقدم لها.. فمن بمثل وضعها لا يحق لهم وضع الشروط أو التدلل، ولانها دخيله فلا يمكنها امتلاك حق الكلام أو الاعتراض أو حتى الطلب.. لذلك عاشت و كبرت تكتفي بما يأتيها، وعلى الرغم من احتوائها في بيت عمتها الدافئ و احتضان الجميع لها و اعتبارها المؤكد بأنها من العائله، الا أنه لم يكن كافياً لمداواة جروح غائره في أعماقها و تعويض حاجه حرمت منها.. تعودت كبت مشاعرها، و التزامها بالصمت، دائما تتصرف بشكل مغاير لما تفكر أو ترغب، فقط عليها اتباع القوانين و الالتزام بالمفروض.. وعند الكلام، ترد بما يرضي المقابل، ليس بما تراه هي..
في الكثير من الأحيان كانت توافق حياة أو عمتها على أمور أو مشاوير أو حتى نوعية الطعام عندما يطلب منها اقتراح، ترد بشكل يجعلهم هم من يقرروا، ظنا منهم أنها لا تهتم ولا يفرق معها الأمر.. إنما في الحقيقة كان لها الكثير و الكثير من الرغبات و التمنيات.. تفتحت الآن عندما شعرت بأنها مسؤولة عن نفسها و حياتها، كونت صداقات قليله لكن ساهمت بشكل كبير بأنعاش شخصيتها.. شعورها بالامان لوجود فواز، لاتعرف كيف تفسر ذلك.. الا أن هذا الامر يرضيها و يجعلها اكثر ارتكازا.. قربها من سعاد، الفتاة الامعه و القويه.. مدتها من قوتها مما غلفها شعور بالراحة و نوع من الزهو.. آيه الحمراء، اجمل هديه وهبها القدر إليها.. صديقه مراعيه مهتمه و محبه، لا يرغمها شيء لرفقتها، فلا قرابة تجبرها على التواصل معها ولا مسؤولية تقيدها لمداراتها.. تعزها و تحب مصاحبتها.. شعور حر خال من أي قيود أو روابط دم أو فرض.. واخيرا نديم، ذلك الشاب المغرور، اوسم من قابلت عيناها، ملفت و مميز، مثالي و متكامل، بجسمه الرياضي الضخم و جمال ملامحه الظاهر ذو مكانه مرموقه اجتماعيا، و احد اكثر الاشخاص شعبية في الحرم الجامعي.. تحيط به المعجبات وكان له العديد من المغامرات.. لكن، ترك كل هذا و تجاهل كل الجميلات ليختارها هي.. هي فقط من تقلدت ميدالية الفوز به.. ولن تتقبل خسارته.. تتشبث به بأقوى ما يمكنها.. فخسارته تعني نهايتها..

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن