الفصل السادس و الأربعون

186 13 29
                                    

الحب انقى من شوائبنا..

تنزيه الحب و فصله بعقولنا و ارواحنا عن الشر هو خطأ شائع عظيم..
ليس صحيحا أن الحب الصادق يخرج دوماً خير ما فينا، وان لم يفعل فأنا نسارع لتغيير اسمه..
لا، فقد يخرج الحب الصادق منا الشر و القسوة و التملك و الخوف و الكذب و الخ...
كذلك الأشرار يعشقون بصدق، ليس هذا فحسب، بل يتحول الخيرون إلى أشرار بسبب العشق..
ولكننا نبرؤه من كل ما لا يتناغم مع ما نصوره في اذهاننا، فالحب انقى من شوائبنا، ولكن الحقيقة أن الحب مثلنا..
{كلام عظيم للدكتور خالد غطاس}

بحال مبتهج تلقي نظرة أخيرة على نفسها في المرآة الكبيرة المرفقو مع اثاث غرفة النوم البيضاء، و التي تماشي بفخانتها و طرازها الغرف الملكية.. بزوايا محفورة مؤطرة بالذهبي.. سرير كبير بأعمدة عند الاركان، مثبت بينها ستائر من التول الأبيض الانيق، مربوطة بفيونكات ذهبية من المنتصف حول الاعمدة الاربع.. مناضد جانبية متماثلة تحمل اباجورات فاخرة، ينساب منهما ضوء دافئ، بمساند من العاج بلون البلوط، و رأس مخملي مثلث باللون الرملي، اسطواني من الأعلى، تتدلى كرستالات ناعمة على شكل دمعة من نهايته المحددة بخيوط حريرية متوسطة السمك بلون بني لامع.. دولاب الملابس عملاق، طولا و عرضا، بستة ابواب منحوتة جميعها بحرفية، طليت الحافات المحفورة بخطوط ذهبية.. لتكون المرآة البيضوية الكبيرة ذات الارجل من أكثر القطع التي احبتها سما، و جعلتها توافق نديم على اختياره، فبكل الأحوال لم تكن سترفض، على الرغم من ميلها إلى البساطة و اعطاء القطع الصغيرة أو الكلاسيكية الافضلية.. بجانب اريكتها الزغبية الخضراء العزيزة.. وكم افرحتها المفاجئة..
تمرر عينيها السعيدتين على فستانها الوردي القصير.. يضيق حول خصرها مفصلا منحنياتها.. رفعت حاجبيها بأعجاب وثقة تطالع انعكاسها بوقفة جانبية تتراقص حدقتيها مع اطراف شعرها المموج الطويل المترنح على ظهرها.. التفتت سريعا بوجه مستبشر ما أن استمعت لصوت فتح الباب، يسبق نداء الحبيب بأسمها.. ركضت لاستقباله بلهفة، فاقها هو بأضعاف.. حيث قاد سيارته بجنون، يتحرق للعودة الى البيت لرؤيتها.. ما أن صف السيارة في مرآب المجمع السكني الخاص، حتى قفز منها سريعا يتسابق بالخطوات مع دقات الفؤاد.. بنقاذ صبر يقف في المصعد تحملق عينيه التواقتين على تتالي ارقام الطوابق تصاعديا.. يتمنى لو بأمكانه التحليق ليحط حالا هناك، عند الطابق السادس.. اندفع ما أن افرج عنه المصعد نحو بيته تطارد يده ميدالية المفاتيح القابعة في جيب بنطاله.. واخيرا، وصل إليها.. ابتسم بأشراق عندما فتح باب الشقة، فعطر المكان النظيف افره صدره.. صاح مناديا بأسم الحبيبه، بينما يطبق ذلك الباب..
بلمح البصر طارت إليه، تتجاوز الرواق لتقف مكانها عند المدخل يقاطعها جسده المقبل بشوق كحالها.. مبتسمان بحب، نطق بصوت واضح بنبرة تحية..
_ سماا..
.. بادلته تحيته باسمة..
_ ندييم..
ضحك الاثنان، و تلقفها بين ذراعيه محتضن، يستنشقها يملي رئتيه من اريجها.. ابعدها قليلا محتفظا بها داخل حيز حضنه المتملك..
_ اشتقت اليك حبيبتي.. مر اليوم ببطئ و احتملت ساعات العمل بصعوبة..
.. ردت وهي تتأمله..
_ وانا، اشتقت اليك جدا نديم.. حتى مع مكالماتك الكثيرة، لكنني افتقدت وجودك.. اعتدت أن تكون معي..
.. بعمق قبل جبينها يسحب عبير شعرها ليسكن ولو قليلا من جوعه للقرب.. لكن الشم في حضرة الشوق غير مجد.. خرجت من بين ذراعه بعد أن طبعت قبلة خفيفة على خده.. اردفت بمرح بينما تتأبط ذراعه ساحبة اياه معها يسيران بأتجاه غرفتهم..
_ هيا يا زوجي العزيز، غير ملابسك حالما اجهز المائدة..
.. كاسرا هو رقبته ملتفتا نحوها، كل ما فيه سعيد.. تناقصت ابتسامته حينما توقفت وتركت ذراعه.. طالعها بأستفهام لتوضح هي..
_ سأتركك هنا لاكمل صب الطعام..
.. مشيرة إلى باب المطبخ خلفها.. رد معاتبا بتمثيل..
_ ايهون عليك زوجك تتركيه في منتصف الطريق ؟!! عيب عليك يا بنت !!
.. شهقت بين ضحكاتها على تهكمه المصطنع بعد أن حاصر خصرها ملصق جسدها بجسده يرمقها بعينين خبيثتين و ابتسامة لعوب زادت من احتراق وجنتيها.. دفعته بيديها الرقيقتين تتصنع الحدة.. قالت آمرة..
_ افلتني يا ولد !!
.. رفع حاجبيه بصدمة لتطلق هي قهقهات عالية مرجعة رأسها إلى الوراء.. ردد ببهوت وهو ينظر إلى جسمه العضلي يشير بكلتا يديه على نفسه..
_ كل هذا، و ولد ؟!!
.. اعاد عينيه المدهوشة اليها ليجبره انفلاتها بالضحك بسبب ردة فعله على الابتسام بأتساع، ليتبادر إلى ذهنه استغلال الموقف و الكلام.. أقترب منها مجددا، يحرك اطراف اصابعه على بشرة وجهها يتلمس معانيها.. قال بصوت خافت متمسكن بغية التأثير عليها و التلاعب بأحساسها..
_ علي أن أستحم أولا، لازيح عني التعب، استتركين ( الولد ) دون مساعدة ؟!
.. حوطت رقبته بذراعيها، تنظر في عمق عينيه فاهمة خبث المقاصد، ردت بنفس طريقته و نبرة صوته..
_ يمكنك الاعتماد على نفسك، لقد كبرت الآن و صرت رجلا قويا !
.. كز على جانب شفته السفلى مضيق عينيه يرمقها بكل ما يملك من مكر، متأكد من أنها تقاوم بشدة الانصياع إليه، متمسكة بصعوبة برباط جأشها.. لكنه أقر لها بالتمكين، فقد اتقنت تمثيل عدم التأثر بسحره.. تدور زرقاوتيه بتركيز على وجهها المحمر و شفتيها المزمومة بقوة كيلا تفضح ذوبانها ابتسامتها الخجلة، فهي تبذل جهدا خرافيا للتحكم بأرتعاشها و نظراتها..
أقترب اكثر وقد استحلى التحدي، مستمتع يرغب أن يماشي ملاكه.. بحنان سأل، ينوي الاطاحة بصمودها..
_ حقا؟ و هل قلبك موافق؟

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن