الفصل التاسع و الاربعون

199 15 12
                                    

لا تفقد الرغبة في المقاومة أيها الممتلئ بالثقوب من جراء اخطائك..
لا تنظر الى الاخطاء التي ارتكبتها بعدسة مكبرة، انت كائن بشري في نهاية الأمر.. المهم هو أن لا تعيش في حياتك في كنفها والا تجعلها تعيقك عن المواصلة، حاول المضي، حتى لو ببطئ.. و كن متأكدا من أنه لا يوجد احد في هذا الكوكب مضت حياته دون أخطاء.. لا تقلق..
( ادهم شرقاوي.. كتاب؛ مع النبي )

دفع الهواء متنهدا بينما يرمي بنفسه بأرهاق على الكرسي الجلدي الدوار خلف مكتبه.. التقط هاتفه من فوق المكتب يقلب فيه بسرعة وهو يفك مقدمة القميص و يرخي ربطة العنق.. وجد الكثير من الرسائل من سما، لم يقم بفتحها، اتصل بها مباشرة..
_ حبيبتي، لقد خرجت توا من اجتماع مزعج طويل و منهك للاعصاب، لذلك لم أرى رسائلك.. أساسا تركت الهاتف في مكتبي..
.. صمتها جعله يميز الصوت حولها، سأل بأستغراب..
_ هل هذا صوت التلفاز ؟
.. اجابت بهدوء..
_ أجل..
_ اين انت ؟
.. سأل بسرعة..
_ في البيت نديم، أين سأكون يعني !
.. بلهجة حانقة ردت عليه، زاد استغرابه..
_ هل عدت من الجامعة، ام ماذا ؟
.. تنهدت وهي ترد بجمود..
_ لم اذهب، لأنك لم ترد على رسائلي..
.. فتح عينيه وقال مستفهما..
_ و مادخل ردي بدوامك ؟ فأنا أعرف سلفا..
.. بأنزعاج واضح اجابت..
_ لأنك خرجت باكراً قبل أن تصادق على ما سأرتديه.. و بالأمس كنت منشغلا جدا لم اشأ أن اقاطعك..
.. بدهشة هدر..
_ كيف ؟!! تغيبتي عن محاضراتك لهذا السبب !!!

_ طبعا نديم اغيب، لماذا أنت مستغرب ؟ ارسلت لك صورا بما ارتديته لكنك لم تجب، ولم تفتح الرسائل، لذلك رأيت انه من الأسلم لي تغيير ملابسي و البقاء في البيت..
مدهوش مصدوم متضايق، يجهل بما عليه أن يرد.. اجلى صوته الذي اختنق..
_ لكن، سما، كان عليك الذهاب حبيبتي، أنا أثق بك..
.. افحمته برد ابهته..
_ لا نديم.. لن اعرض نفسي لتأنيباتك التي تتصيدها " لا ترتدي تلك التنورة الزرقاء سما، تبرز مؤخرتك ! ارتدي اختها السوداء المطابقة لها بالفصال و القياس، فالاخرى استر !! " لا عزيزي، شكرا، لن اخاطر !
.. بتهكم شديد قلدت طريقة تحكمه و سخرت من اللامنطيقة فيها.. لتتركه ساكت، جامد، متأثر..
قطع ترقبها اللامبالي لرده أو غضبه صوت فواز الذي اقتحم مكتب صاحبه بصخب كالعادة.. أخرج نديم حسه بصعوبة بسبب حالة الجمود التي اصابته، بينما يرمي فواز بثقله فوق الكرسي أمامه..
_ حسنا سما، علي الذهاب الان، إلى اللقاء..
.. ارتعشت يده الممسكة بالهاتف بخفة حين قطعت سما الخط بسرعة، كأنها كانت تنتظر ذلك بفارغ الصبر.. ربما كانت تريد انهاء المكالمة بوقت ابكر أو حتى اغلاق الهاتف بوجهي ! يخبر نفسه بألم.. ابتلع ريقه وحاول التحكم بملامح الضيق و التجهم التي لاحظها صديق العمر فورا.. "ماذا حدث؟ " مهتم سأل.. ألقى عليه نظرة سريعة قبل أن يرجع رأسه إلى الخلف مستندا على الكرسي الكبير.. دفع الهواء المتيبس في صدره و همهم بتعب.. يحكي لصاحبه ما آلت إليه حالهم.. كيف نجح بقتل حماستها و تقييد روحها.. مطفئا بريق عينيها بظلمه سارقا لبسمتها.. استوطن العبوس وجهها البشوش و اغتال ضحكاتها.. كل شيء فيها تبدل؛ شكلها، كلامها، صوتها، طريقتها، حتى احساسها، حولها بضغطه إلى آله.. جسد بارد بحال خامل..
لم يخفي فواز حنقه و انزعاجه من ممارسات صاحبه المؤذية.. طالما اسداه النصائح بالتروي والتخلي عن افكاره السوداء و وسوساته المسمومة، فسما لا تستحق منه ذلك " أضبط انفعالاتك " تلك كانت أكثر عباراته القصيرة تكرارا على اسماع خليله المضطرب.. يعلم بقرارة نفسه حب نديم الجارف لها وتعلقه الشديد بها.. ليكون هذا الوجد حد سكين يشرع بنحر ما بين الحبيبن من روابط.. فالعشق لا يمكنه النجاة تحت وطئة القسوة و شد القيود.. تستمر المشاعر بالاختناق حتى تلفظ الاحاسيس انفاسها الاخيرة.. هذا ما يعرفه فواز تماما، يعلم أن نديم يقبع تحت هاجس فقدانها بل اكثر ما يؤرقه، و يفزعه..
تنهد الصديق يبعد الضيق جانبا يواسي حال رفيقه المتألم بعد ما اضاف نديم ساخرا من نفسه، بصوت قطع قلب الجالس امامه.. على نفس جلسته و وهنه غمغم..
_ يبدو أن زياراتي للمعالج النفسي لم تفلح معي.. لا علاج لأعتلالي الا الموت !

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن