الفصل الثانى
ما أن همّت نغم بمصافحة زين؛ اغتاظ منها، وقام بدفعها؛ لتسقط على الأرض، وتشهق بشدة، وتنظر إليه بتعجّب، وقد سالت دموعها؛ لتغرق خدّيها..
اقتربت منها والدة زين؛ لتأخذها بأحضانها، وتربّت على كتفيها بحبّ لتهدئتها، ثم نظرت إلى زين بغضب، وصاحت به قائله:
- زين.. اعتذر حالا لنغم عن اللي عملته دلوقتي!
ثم أكملت بنبرة غاضبة، وهي تشير إليه بيدها..
- يلّا حالًا.. اتفضل اعتذر..
تحدّث إليها زين وهو يرمقها بحقد وغضب شديد يطل من عينيه، وهو يتوعّدها بينه وبين نفسه بأن يذيقها العذاب ألوانًا، فكيف لتلك البغيضة أن تأتي هكذا؛ لتأخذ اهتمام الجميع.
أردف قائلًا -وهو يضغط على فكّيه بشدّة-:
- آسف!
ثم اقترب من أذنها، وهمس لها بنبرة حازمة وبتوعّد شديد قائلًا بصوت غاضب ووعيد يطلُّ من عينيه:
- انا هورّيكي ازاي تتحدّيني، وتخلّي ماما تجبرني اعتذرلك..؟!
نظرت إليه نغم وقلبها يتسارع بالخفقان لخوفها الشديد منه، وابتعدت عنه مذعورة؛ لتحتمي بأحضان والدته..
مرّت الايام، وكبر الأولاد، وأصبحت نغم بالسنة الأولى من معهد السكرتارية، وأنهى كل من زين وإياد ويزيد دراستهم..
ذات يوم عادت نغم من دراستها؛ لتجد المنزل فارغا، ولا يوجد به أحد سوى الخادمة، ألقت عليها نغم السلام بابتسامة مشرقة، ثم صعدت الدرج متوجّهه إلى غرفتها، دلفت إليها، وتوجّهت إلى خزانة الملابس، وأخرجت منها ثوبًا ترتديه للنوم.
ثم دلفت إلى المرحاض لتأخذ، حماما دافئًا لعله ينعشها قليلا، غمرت نغم نفسها بالماء الدافئ المعطر برائحه الياسمين لبعض الوقت، ثم بعد أن استرخت قليلا؛ نهضت، وقامت بغسل شعرها، وعادت لتغمر جسدها بالماء، ثم خرجت من المغطس، وجففت شعرها، وارتدت ملابسها، وخرجت لتقوم بتمشيط شعرها..
وما أن جلست أمام المرأة، وهمّت بتمشيط شعرها؛ فوجئت بزين يفتح باب غرفتها، فالتفتت تحدق فيه بغضب، وقطّبت حاجبيها، وصرخت فيه:
- انت ازاي تدخل اوضتي بدون استئذان؟!
أطلق زين ضحكة رنانة؛ ما جعلها تنظر إليه مشدودة مأخوذة بسحر ضحكته؛ فهي نادرا ما تراه يضحك، يبدو ساحرًا وبشدّة حين يضحك.
ثم تحدّث إليها وهو يرمقها بنظرات ماكرة، وهو يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها، ثم أجاب بصوت بارد:
- أظن دا بيتي! أدخل أي مكان فيه بدون ما استئذن! اعتقد انك انتي اللي غريبه، ودايما تنسي انك دخيله على بيتنا!
ثم اكمل بنبرة ساخرة:
- بس للأسف انتِ دايما بتنسي.. اعملك ايه بقى؟!
احتدّت عليه نغم غاضبة، وقالت له -وهى تكز على أسنانها بغضب-:
- مش هسمحلك تكلمني بالشكل ده!
اقترب منها، وأخذ يمرر يده على خديها ببطء شديد، ويعيد خصلات شعرها البنيه إلى الخلف؛ ما جعل ضربات قلبها تتصارع بجنون، وتشابكت أنفاسه مع أنفاسها، وعم الصمت أرجاء الغرفة، ومرر يده بجانب شفتيها؛ فأغمضت عينيها لتحاول السيطرة على مشاعرها المتضاربة؛ حتى شعرت كأنها أصيبت بدوار شديد من إثر لمساته، اقترب زين من شفتيها، وهمس لها بصوت قاسٍ قائلا:
- خمس دقايق، وتكوني فالمطبخ تجهزيلي أكل، أنا جعان.
ثم تركها، وغادر تاركا إياها تلعن نفسها على غبائها، ومشاعرها التي دائما ما تجعلها تضعف أمامه، غادر زين، وهو فرح بشدة أنه أحرجها، ونال منها؛ فهو قد أخذ عهدا على نفسه أن يعذبها بشتى الطرق، ولعنته بسرها، وأقسمت أن تنتقم منه.
مشطت نغم شعرها سريعا، وجمعته إلى الخلف على هيئة ذيل حصان، وبدلت ملابسها، وارتدت تيشرت روز، وبنطال باللون الأسود، ونثرت القليل من عطرها المفضل، وذهبت مسرعة لتعد الطعام لذلك المغرور.
وقفت بالمطبخ تتابع إعداد الطعام له، وهي تزفر بغضب شديد، انتهت من إعداد الطعام، وذهبت به لحيث يجلس ذلك المغرور الوقح بانتظارها، ثم وضعت الطعام أمامه، وقربت طبق الحساء منه؛ ثم أثناء ما كانت تقرب طبق الحساء انسكبت منه بضع قطرات على قدمه؛ مما جعله يصرخ بها بغضب شديد وهو يتألم بصوت غاضب وعين تشتعل نارا:
- انتِ إيه؟! غبيه؟!.. يعني مش كفايه باكل أكلك الماسخ ده؟! كمان عايزه تحرقيني؟! يلا غوري في داهيه مش عايز اشوف وشك!
ركضت نغم إلى غرفتها، وهي تنتحب بقهر.
___________________________
بمكان آخر بأحد الحارات الشعبية.. حين نشرت الشمس أشعتها الذهبية على الكون معلنة عن بدء يوم جديد، نهضت رحمة بتكاسل، وهي تتثاءب وتفرد ذراعيها لتنفض الكسل عنها، توجهت لفراش طفلها الصغير، طبعت قبلة على خده برقة، ثم توجهت إلى المرحاض لتغتسل؛ لتذهب لعملها تاركة طفلها الصغير لدى جارتها السيدة المسنه التي تقطن بالشقة المقابلة لشقتها؛ لحين عودتها من العمل.
انتهت من الاغتسال، وارتدت ملابسها، ومشطت شعرها ووضعت القليل من أحمر الشفاه، وأمسكت حقيبتها، وحملت طفلها الصغير ذا الثلاث سنوات، وتوجهت به إلى حيث تقطن جارتها.
طرقت باب منزل جارتها؛ لتقوم الجارة بعد قليل بفتح الباب لها، وتمد يدها؛ لتأخذ منها طفلها، وهي ناظرة إليها بنظرات ودودة ثم تعطيها كيسا ورقيا به بضعة سنتدوتشات؛ لتدمع عيون رحمة، ثم تندفع إلى أحضان جارتها -التي تُدعى هبه-؛ لتعانقها بود شديد، ثم تحدثها بحب وود كبير:
- ربنا يخليكِ ليا يا طنط هبه، أنا مش عارفه من غيرك كنت هعمل ايه!
تحدثها هبه قائلة -بود واهتمام-:
- صباح الفل والياسمين على عيونك يا رحمة ربنا ما يحرمنيش منك أبدا، انتِ يا حبيبتي انتِ وابنك عوض ربنا ليا، انتِ عارفه اني معنديش ولاد، وبعتبرك زي بنتي!
تودعها رحمة، وتندفع على الدرج لتلحق بعملها، وما أن كادت تغادر المنزل إلّا ووجدت من يمسكها من يدها بشدة آلمتها، فاستدارت لتواجهه، لتحدق به بفزع، وقد زادت ضربات قلبها، وقفت تطالعه برعب شديد، ثم هتفت به بغضب، وهي تحاول أن تبدو قويه أمامه:
- انت اتجننت يا عباس! انت ازاي تمد ايدك عليا، وتمسك ايدي كده؟!
عباس -بنظرات شيطانية وهو يرمقها بوقاحة شديدة- يمد يده ليتلمس خدها بنظرات مليئة بالرغبة، ويحدثها -ببرود شديد- قائلا:
- انت فاكره يا حلوه اني هافضل طول عمري مسجون؟! أنا خلاص خلصت مدتي، وطلعتلك، ومن هنا ورايح مش هاسيبك تغيبي عن عيني ثانيه، أنا نويت اتجوزك، ونقضي أيام حلوه سوا!
أخذت رحمة تدفعه ليبتعد عنها؛ لكنه تشبث بها، ولم يتركها؛ فأخذت تصرخ وتستغيث؛ لينقذها أحد منه..
وأثناء ما كان يزيد يراقب العمال وهم يفرغون شحنة الخشب بمخزنه، تناهى إلى سمعه صوت امرأة تستغيث؛ فأمر أحد رجاله أن يقف مكانه؛ حتى يذهب ليتبين ما الذي يحدث، توجه لحيث توجد الخناقة؛ فوجد رجلا يبدو على هيئته الإجرام؛ يشهر سلاحه بوجه المرأة المسكينة التي تحاول محاربته بشتى الطرق لتخليص نفسها من بين يديه..
أخذ يزيد يدرس الوضع جيدا، ويرمق ذلك الرجل الذي يتشبث بالمرأة التي لا حول لها ولا قوة بين يديه.
اقترب منه يزيد وهو يرمقه بنظرات نارية كالنمر الذي ينتظر الوقت المناسب للانقضاض على فريسته، فوجئ عباس بوقوفه أمامه بهيبته غير العادية؛ فقد كان يزيد طويلا جدا بجسم رياضي، وبشرة حنطيّة، وعيون زرقاء..
تجاهل عباس يزيد، وعاد لتوجيه حديثه لرحمة قائلا بغضب شديد، وهو ينهرها بغلظة:
- انتِ هتجيي معايا بالذوق، ولا اخلّي المطوه دي تعلم على وشّك يا برنسيسه؟!
وما أن هم بحملها بالقوة حتى فوجئ بلكمة من يزيد تطرحه أرضا تتبعها عدة لكمات؛ حتى سقط فاقدا النطق إثر الضربات المتلاحقة التي تلقاها من يزيد، بصق عليه يزيد، ثم نزع سترته، وألبسها إياها عندما لاحظ تمزق ملابسها، وقال لها بصوت جاد، وهو يتأملها بإعجاب شديد من رأسها حتى قدميها:
- اتفضلي انتِ اطلعي بيتك، وانا هتصرف مع الحيوان ده.. بس يا ترى هو يقربلك ايه عشان يتجرأ عليكي كده؟!
وقف ينتظر إجابتها، وهو ينظر إليها نظرات تهكمية؛ شعرت رحمة أنه يسخر منها؛ فأخفت سريعا نظرات الانبهار التي كانت تطل من عينيها، وهي تتأمله بصمت، فنزعت جاكته عنها، وقذفت به إليه، وتحدثت إليه بغضب قائلة:
- اظن دي حاجه متخصكش.. ومش عشان دافعت عني دا يديلك الحق انك تقف تحقق معايا!
وتركته، وغادرت؛ لتبدل ملابسها؛ علّها تلحق بعملها؛ حتى لا يوبخها مديرها، وعاد يزيد لعمله مرة أخرى وهو يفكر بها، ما زالت صورتها تشغل باله؛ بشعرها الأسمر كلون الليل الحالك وبشرتها القمحية، وعينيها العسليتين بلون البندق، وقف يتابع العمال، وباله مشغول بها، لم يلاحظ عباسا وهو يقترب منه حاملا بيده سلاحه الذي وجهه ليزيد.
أنت تقرأ
المشاكسه والمستبد الجزء الأول
Romanceالمشاكسه والمستبد بقلم / نورا نبيل لآ أعلمُ مِنْ أيْن أبتدِيْ وأينَ أنتهِيْ ....!! تـآئِهٌا بينَ الشكِّ واليقيْن .... بينَ البغضِ والمَـحبّه .... السُؤآلْ والجوآبْ ... الدموعْ والإبتِسَـآمَه ... مُبَـعثرةٌ مَشآعِريْ فِيْ أحشَـآءِ المَـوتِ والحَيَـ...