الفصل السادس عشر
جلس إلى جوارها ينتحب بقهرة ولوعة، وقد شحب وجهه، وطالت لحيته، أمسك يدها برقة بين يديه، وأخذ يحدثها برقة على أمل أن تجيبه أو ترق لحاله، وأثناء ما كان يحدثها؛ استمع لصوتها تصرخ بحزن قائلة بألم:
- ابني.. انا عايزه ابني.. هاتولي ابني..
ذهب زين راكضا إلى الطبيب، وما أن شاهدته رحمة يركض خارج الغرفة حتى ركضت باتجاه غرفة شقيقتها؛ لتحضنها، وتربّت على كتفها، محاولة منها أن تقوم بتهدئتها..
جلب الطبيب، وعاد راكضا إلى غرفتها برفقته، دلف الطبيب إلى الغرفة برفقه زين، واتجه إلى حيث فراش نغم، وقام بإجراء الكشف عليها، ثم حين انتهى؛ تحدث إليهما قائلا بجدية:
- انا حابب اطمنكم.. حالتها أحسن كتير، ومع العلاج النفسي المكثف بقت أفضل كتير، بس ياريت محدش يضغط عليها أو يسبب لها أي ضيق.
أردف زين بقلق وتوتر عليه:
- متقلقش يا دكتور، أنا مستعد اعمل لها أي حاجه.. بس ترضى عني!
الطبيب بجدية:
- بس انا احب احذرك.. ممكن في لحظه ترجع تكتئب تاني، وساعتها هيبقى الوضع صعب!
زين بحزن شديد، ونبرات مليئة بالحزن:
- بس هي امتى هتفوق يا دكتور؟!
عقد حاجبيه بترقب في انتظار إجابة الطبيب الذي تحدث قائلا باهتمام:
- شويه كده وتفوق..
شكره زين قائلا بود:
- شكرا ليك يا دكتور، تعبناك معانا كتير!
تركه زين، وعاد ليجلس إلى جوارها، ثم حدث رحمة قائلا باهتمام:
- ممكن ترجعى البيت انتِ يا رحمة عشان ابنك، وانا هافضل جنب نغم.
رحمة بحزن شديد، وصوت مخنوق من كثرة البكاء:
- مقدرش اسيب اختي في الحاله دي، ياسين مع مامتك.
زين بجدية:
- معلش.. انتِ هنا من امبارح، لو سمحتي مش عايز نقاش، هاطلبلك أوبر؛ عشان ترجعك البيت..
ثم أردف بصوت يبدو عليه أثر الإجهاد قائلا بحزن:
- عارف ان يزيد مشغول جدا الفتره دي؛ لأني سايب الشغل كله عليه.
رحمة بحزن:
- بس مينفعش امشي واسيب اختي كده لسه تعبانه!
زين بغضب -حاول أن يتحكم به؛ حتى لا يفقد أعصابه-:
- لا متقلقيش.. هي كويسه، وان شاء الله تخرج بكره، وترجع البيت، المهم انك ترجعي عشان ابنك اللي سيباه من يومين دا!
أذعنت لأمره بالنهاية؛ حتى لا تجادله كثيرا؛ فهي تعلم متى أصر زين على شيء سينفذه!
ألقى نظرة أخيرة على زوجته، وذهب ليقوم بإيصال
زوجة أخيه إلى سيارة الأوبر، وأخذ رقم السيارة، ورقم السائق، وعاد راكضا لحبيبته بعد أن اطمأن أنها استقلت سيارة الأوبر.
ثم عاد ليلقي نظرة على زوجته؛ ليجدها قد عادت من غفوتها، وجلست بالفراش، ومظهرها يوحي بأنها تمثال لا حياة فيه، حاول محادثتها؛ لكنه تفاجأ بها غائبة عن العالم من حولها، لا تشعر بوجود أي شخص إلى جوارها، على الرغم من أنها بكامل يقظتها؛ لكنها تحدق في الفراغ، ولا تنظر إليه أبدا، أو تحرك ساكنا، فمنذ ذلك اليوم المشؤوم.. وكلما عادت لوعيها وهي بتلك الحالة.
أمسك يدها التي وجدها باردة بشدة بين يديه، وتحدث لها بندم وحزن شديد قائلا بندم شديد:
- أنا آسف! ارجوكي تسامحيني، وارجعيلي يا نغم! أنا مش قادر اشوفك كده، حرام عليكي نفسك..
انسابت دموعه، وهو يراها بكل ذلك الجمود كأنها تمثال لا حياة فيه، لم تتحرك أو تبدى أي ردة فعل مع حديثه.
قبّل خدها بحزن، والألم يعتصر قلبه من شدة حزنه على حالتها، ذهب إلى الطبيب، وحدثه بحزن قائلا بألم:
- ممكن يا دكتور اخدها تكمل علاج بالبيت انا خلاص مبقتش قادر على بعدها عني اكتر من كده!
الدكتور بتفهّم:
- أكيد طبعا.. بس تتابع جلسات العلاج النفسي؛ عشان تخف نهائي، ومش عايزك تقلق من حالة الجمود اللي هي فيها، دا رد فعل طبيعي على الأزمه اللي حصلتلها.
أومأ زين برأسه بحزن والألم يعتصر قلبه، ثم ذهب إليها ساعدها على تبديل ملابسها برقة شديدة، وحنان غير طبيعي، حين انتهى من تبديل ملابسها، وقبّلها على جبينها بعشق جارف.
ثم طلب أوبر ليقلهما إلى المنزل؛ لأنه ترك السيارة بالمنزل لعدم قدرته على القيادة، انتظر بعض الوقت؛ لينهى تعاملات المشفى، ثم عاد؛ ليحملها برفق شديد ليضعها بسيارة الأوبر، ثم يرشد السائق لمكان الفيلا.
ما أن وصل إلى المنزل؛ ترجل من السيارة، ثم قام بمحاسبة السائق، وحمل زوجته متجها إلى داخل المنزل، وهو يضمها لصدره بخوف وعشق، وحرص شديد كأنها أثمن اشياؤه.
ثم صعد الدرج متوجها إلى غرفتهما؛ فوضعها برفق على الفراش؛ كأنها شيء ثمين يخشى عليه كثيرا.
تركها، وذهب ليبدل ملابسه، ثم أخذ ملابسه من
الخزانة، وتوجه إلى المرحاض؛ فأخذ حماما سريعا، وقام بحلاقة ذقنه، ثم عاد إلى غرفته، وجلس إلى جوارها، وقبّل جبينها بحنان شديد.
حاول محادثتها بحديث رقيق قائلا بحب:
- نغم.. كفايه كده بقى، ونبدأ صفحه جديده، انتِ بس فوقي كده، واوعدك نفتح صفحه جديده، ونعمل فرح من أول وجديد، ونسافر أسبانيا نقضي شهر عسل هناك.
تمنى منها أي بادرة تثبت له أنها سامحته؛ لكنها لم تفعل شيئا سوى الصمت التام، ولم تتحدث له بكلمة واحدة تروي ظمأه.
نهض غاضبا؛ ليذهب ويفرغ غضبه بغرفة الألعاب، دلف اليها، وأخذ يمارس الرياضة بعنف شديد، وأخذ يكيل الضربات لنفسه بقفاز الملاكمة؛ حتى انقطعت أنفاسه من التعب..
وتألم جسده بشدة من شدة الضربات التي سدد له؛ حتى أصبح غير قادر على السير..
***
حين علمت رحمة أن شقيقتها عادت -حين شاهدتها من النافذة عائدة برفقة زوجها- ارتدت روبا فوق ملابسها، وألقت نظرة على ياسين النائم بعمق، فقبلته برقة، ثم توجهت لغرفة نغم، وطرقت الباب؛ فلم يجبها أحد؛ فتقدمت إلى الداخل؛ لتجد شقيقتها جالسة على الفراش، تحدق بالفراغ، وصامتة تماما، احتضنتها برفق وحب شديد، وربّتت على ظهرها بحنان شديد..
ثم قالت لها بحب شديد:
- حمد الله على سلامتك يا حبيبتي! الحمد لله انك رجعتي بيتك بالسلامه..
ثم أكملت قائلة لها بجدية تامّة:
حبيبتي يا نغم! مينفعش انك تسلمي للحزن كده، وتهدي حياتك.. جوزك يا حببتي هايموت نفسه عليكي، وحالته فظيعه بجد يا حبيبتي!
كفايه عليه كده، حاولي تسامحيه، وتديله فرصه، انا اختك، واكتر حد يحس بيكي ويفهمك، انتِ كويسه يا نغم، مفكيش حاجه، انتِ بس عايزه تعاقبيه مش اكتر..
أنت تقرأ
المشاكسه والمستبد الجزء الأول
Romanceالمشاكسه والمستبد بقلم / نورا نبيل لآ أعلمُ مِنْ أيْن أبتدِيْ وأينَ أنتهِيْ ....!! تـآئِهٌا بينَ الشكِّ واليقيْن .... بينَ البغضِ والمَـحبّه .... السُؤآلْ والجوآبْ ... الدموعْ والإبتِسَـآمَه ... مُبَـعثرةٌ مَشآعِريْ فِيْ أحشَـآءِ المَـوتِ والحَيَـ...