الفصل التاسع

1.1K 48 3
                                    

الفصل التاسع
دلف والدهم إلى الحفل، وهتف بهم بمرح:
كده يا أندال تعملوا الخطوبه من غيرى.
ركضت نغم إليه فرحة بعودته، وهتفت بسعادة:
- عمو.. حمد الله على سلامتك! البيت كان وحش قوي من غيرك!
احتضنها حسين بحب، وهتف لها بود صادق:
- ألف مبروك يا قلب عمو! وحشتيني قوي يا نغوم!
نغم بود شديد:
- انت كمان وحشتني قوي قوي.
حسين بود شديد:
- قوليلي يا حبيبتي.. الواد دا عامل ايه معاكي؟!
حانت منها التفاتة ناحية زين، ثم قالت بحزن:
- كويس يا عمو.. الحمد لله!
حسين بتعجب:
- شكل الواد مضايقك ولا إيه؟! قوليلي بس لو مضايقك اعرف شغلي معاه!
- لا ياعمو مش مضايقني! حتى لو.. أنا اقدر اتصرف معاه!
كان زين يقف بعيدا، ويده بجيب سرواله؛ يطالعها بغموض بنظرات لم تستطع تفسيرها، أشار له والده؛ فاقترب منه، وقام بمعانقته، وهمس والده في أذنه قائلا بخبث:
- فهمني بقى.. مالك حاطط البنت في دماغك ليه؟!
اكمل والده حديثه، وهو يتفحص ملامح ابنه بتمعن، وينصت إليه بتركيز شديد قائلا بمكر:
- ليه بقى بتبصلها كأنك نفسك تختفي من قدامك عملتك ايه لده كله؟!
أردف والده بغضب:
- اوعى تكون فاكر ان في حاجه بتخفى عليا! لما أنت بتكرهها اتجوزتها ليه، واوعى تكذب يا زين.. انا بحذرك!
دفعه والده بحدة بصدره، وهدر به بغضب:
- يلّا انطق.. قول!
زين بحده، وضربات قلبه تدق بعنف مفرط من شدّة غضبه.. همس بأذن أبيه بفحيح كفحيح الأفعى:
- أيوه بكرهها، ومش طايقها، ولولا ضغط أمى عليا كنت استحاله هفكر انى اربط حياتى بيها، اتمنى تكون الإجابه وصلتك يا والدي العزيز، ولو عايز تعرف السبب انا جاهز اقولّك كل الأسباب، تقدر تعرف من امى انا ليه وافقت اتجوزها!
تركهم، وفر هاربا لغرفة الألعاب؛ يفرغ غضبه بها كعادته عندما يشعر بالغضب، ذهب مسرعا كأن شياطين الأرض تلاحقه، وترك والده ينظر في أثره بذهول غير مصدق لرؤية ولده بهذا الشكل؛ فهو لم يشاهده يوما بمثل تلك الحالة.
أقسم والده أن يلقنه درسا ليتعلم كيفية التحدث معه. أقبل عليه يزيد وبرفقته رحمة قائلا، وهو ينظر لرحمة بكل فخر كأنها أعظم إنجازاته.. قائلا بفخر:
- أقدملك رحمه، سكرتيرتى وزوجتى بالمستقبل -
وغمز لها بابتسامة ساحرة-، وأكمل بخفوت -وهو يقترب من أذنها-:
- قولي إن شاء الله.!
عبست رحمة, وخجلت بشدة، واحمرّ وجهها بشدة. صافحها والده، ثم تمتم ليزيد بعده كلمات، وتركه، وغادر..
مر الحفل بسلام، وحاول الجميع التغطية على غياب زين؛ حتى لا يتحدث عنهم الجميع.
بنهاية اليوم أخذ إياد جودي؛ ليقوم بإيصالها، وكذلك يزيد أخذ رحمة بسيارته، وأصر على توصيلها حتى باب منزلها، وقبل أن تغادر السيارة أمسك يدها بحنوّ بالغ، وهمس لها بخفوت:
- ما سمعتش ردك على طلبي!
رحمة -بخجل وقد تعثرت الكلمات بين شفتيها- همست له بصوت خافت:
- اديني فرصه افكر، وكمان في حاجات كثير انت متعرفهاش عنى، لازم تعرف الأول وبعدين تحكم، وكمان في فوارق كثير بينا مينفعش نتخطاها.
يزيد بتفهم:
- بكره هعدي اخدك، واسمعك، واسمع كل كلامك، وانتِ كمان تسمعيني.
أومأت له برأسها علامة الموافقة، وترجلت من السيارة متجهه إلى منزلها.
عاد يزيد إلى المنزل، وحين وصل توجّه إلى غرفة المكتب التي وجدها مضاءة، فطرق باب الغرفة.. أتاه صوت والده قائلا:
- ادخل..
تقدم يزيد إلى داخل الغرفة، ونظر إلى أبيه بتعجّب شديد قائلًا بتساؤل:
- خير يا بابا.. إيه اللي مصحيك لدلوقت؟!
قال والده حزينا -بعبوس وقد أغمض عينيه، وهو يجلس خلف مكتبه واضعا ساقا فوق أخرى، يستند برأسه إلى الخلف-:
- هنعمل ايه مع زين يا يزيد، انا عارف من زمان ان نغم بتحبه، ومش بعيد انه يكون هو كمان بيعشقها.. بس بيحب يكابر، البنت جميله، ورقيقه، وانا خايف عليها من قسوة قلبه خايف يكسرها، ويخليها حزينه، انا شايف اننا غلطنا لما ضغطنا عليه عشان يتجوزها..
يزيد بتفهُّم قائلا بجدية:
- لا يا بابا، انا واثق ان نغم تقدر تغيّره للأحسن، وتشيل من قلبه الغيره، وانا متابعهم.. مش عايزك تقلق.
كاد يزيد أن يغادر، لكن استوقفه والده قائلا بحسم:
- تعالى هنا قوللي يا ولد انت، مين النجمه اللي كانت معاك اللي قوللتي انك هتتجوزها؟! وبما أنى كنت مضّايق من زين فمركزتش معاك!
يزيد بشرود حين تحدث والده أجاب بصوت خافت وعين شاردة بالفراغ:
- دي سكرتيرتي، وانا من يوم ما قابلتها دخلت قلبى.. صحيح بالبدايه شدني انها فيها شبه بسيط لزوجتي اللي اتوفت؛ لكن لما اتعرفت عليها اكثر لقيتها حد مختلف تماما، ومن غير ما احس لقيت نفسى بحبها.
والده بمحبة كبيرة:
- مبروك يا حبيبي! البنت جميله، وشكلها هيا كمان بتحبك، ولو حتى فقيرة.. الفقر مش عيب، انا بدأت من تحت الصفر، ربنا يهنيك بيها! بس امتى ناوي تاخد خطوة ناحيتها؟!
يزيد بتفكير:
- قريب قوي يا بابا، ادعيلي انت بس!
والده، وهو يرمقه بفخر ومحبة:
- داعيلك من قلبي.. ربنا يجعلها زوجه صالحه ليك!
أمَّن يزيد على دعاء والده، وما كاد يخرج من الغرفة حتى اصطدم بإياد  الذي  كان على وشك دخول الغرفة، دلك يزيد جبهته بألم، وهو يتأوه من شدة الصدمة، هتف بأخيه بغضب قائلا:
- انت يا بني آدم انت.. مش تفتّح!
ثم أشار إلى رأسه، وهتف بغيظ:
- دي راس دي ولا صخرة؟!
أخذ إياد يقهقه على حديث أخيه، وضم يديه أمام وجهه، وتمتم لأخيه ببضعة كلمات معتذرا عن فعلته.. ابتعد يزيد عن طريق أخيه ليفسح له المجال ليدخل إلى الغرفة، وصفعه على كتفه صفعة خفيفة، ثم تركه وغادر متجها إلى غرفته..
بدل ملابسه، واندس بفراشه، وغرق بنوم عميق.
أما زين؛ فكان في حالة شديدة من الغضب، فتارة يرى طيفها أمامه، وتارة يلعنه ويزجره؛ ليبتعد عنه؛ حتى إنه قفز بحمام السباحة بملابسه بعد أن تأكد أنه لن يستيطع التركيز بممارسه الرياضة، فهبط إلى الحديقة لعل نسمات الهواء النقية تعيد إليه بعضا من الراحة.
وأثناء ما كان يتجول بالحديقة رفع رأسه لا إراديا لنافذة غرفتها؛ ليشاهدها تقف بكامل أناقتها؛ كأن فتنة الأرض جميعها قد تجسدت بها، أخذ يتأملها بإعجاب شديد، وهي تبدو كحوريه هاربة من أحد الأساطير القديمة بذلك الفستان الوردي  الذي  يتألق عليها وهي تقف تتأمل القمر والنجوم، وأشعه القمر الفضّية تتألق فوقها؛ لتزيدها فتنة وسحرا غير عادي.
لعن نفسه على أفكاره الغبية، ودون تردّد قفز إلى الماء بملابسه؛ لعله ينسى ويهرب من طيفها اللعين  الذي  يطارده بيقظته ومنامه.
حين قفز بالماء تناهى إلى مسامع نغم صوت المياه؛ فنظرت من النافذة؛ لتراه في الماء بملابسه في هذا الوقت من المساء.
ارتجف قلبها لرؤيتها إياه بتلك الحالة المزرية، فيبدو أنه غاضب بشده، وقفت تتابعه من نافذة غرفتها وقلبها يتمزق لأجله.
لقد كان يصارع المياه بغضب شديد، ويلكم الماء بيديه بشدة؛ كأنه يلكم شخصا متجسدا أمامه، بعد صراع دام قليلا بين عقلها وقلبها؛ استجابت لنداء قلبها، وهبطت إلى الطابق الأرضي؛ لتجده قد غادر حمام السباحة، وذهب باتجاه غرفته، فضلت أن تراقبه من بعيد، وتتدخل إذا شعرت أنه بحاجة للمساعدة.
شاهدته يتوجه إلى غرفته بخطى بطيئة وهو يجر قدميه جرا، وصل إلى غرفته أخيرا، وعيناها تتابعه بلهفة تخشى عليه أن يسقط أو يصيبه مكروه.
دلف إلى غرفته، وبدل ملابسه، واستلقى بالفراش، إلى أن غرق بالنوم بعد عدة دقائق، اطمأنت نغم أنه دلف إلى غرفته، فأرادت أن تطمئن عليه، فتحت الباب برفق، ودلفت إلى الداخل بهدوء شديد.
ألقت عليه نظرة؛ فوجدته نائما بالفراش، اقتربت أكثر وهي تسير على أطراف أصابعها؛ لتلقي نظرة عليه وهي خائفة وترتعد بشدة خشية أن يراها ويعنفها.
تحرّك بنومه، واستدار للناحية الأخرى، ارتعبت نغم، وارتجف قلبها بشدّة، وتوارت بجانب الخزانة؛ حتى لا يراها.
ما أن تأكّدت أنه نائم؛ اقتربت لتشاهده عن قرب.
وما أن اقتربت منه حتى شاهدت قطرات العرق فوق جبينه، واستمعت لصوته يهذى بكلمات ليست واضحة لم تستطع تفسير أي شيء بها غير اسمها، فوقفت تراقبه وتتأمله وهو نائم، فكم يبدو مثل الملاك وهو نائم! شعره الأسود انزلقت خصلة منه فوق جبينه.. بشرته القمحية يشوبها الاحمرار من أثر الحمّى..
لم يطاوعها قلبها أن تتركه بتلك الحالة؛ فهو رغم كل شيء أصبح زوجها، وهي تحبه، ذهبت جلبت ماء باردا، وقطعة قماش نظيفة، وبدأت بعمل كمّادات له؛ حتى تأكدت أن حرارته انخفضت؛ فنهضت لتدثّره بحب شديد، وطبعت قبلة بحب على جبهته.
فوجئت به يجذبها لصدره، فوجئت نغم بزين يباغتها بأن جذبها مطبقا ذراعيه عليها بشدة، حاولت نغم أن تتخلص من يديه المحيطة بها بإصرار غير عادي؛ لكنها لم تفلح في أن تزيح يده بعيدا عنها.
أخذ يهمم ببضعة كلمات بصوت خافت، حاولت نغم أن تتبين ماذا يقول، التقطت أذناها بضعة كلمات قليلة، كان يتمتم بها بصوت خافت قائلًا بصوت مشحون بالعاطفة نابع من أعماق قلبه:
- أنا محتاجلك! متبعديش! خليكي جنبي! اوعى تسيبيني!
أصيبت نغم بصدمة شديدة لسماعها حديث زين المفعم بالعاطفة، ارتجف قلبها، وأصبح صوت دقاته يعلو بشدة، حتى كادت أن تصبح مسموعة.
ارتجف جسدها لا إراديا نظرا لقربها الشديد منه، حاولت دفعه؛ لتجعله يفيق؛ حتى يتركها؛ لكنه بدلا من أن يتركها شدّد عليها أكثر، وقبّلها برقّة غير عاديه؛ حتى إنها شعرت أنها تحلق بالسماء وسط النجوم، دقّ قلبها بشده..
ارتجف جسدها من عنف المشاعر التي اجتاحتها فجأة، وكما أحتضنها فجأة ابتعد عنها فجأة، تاركها تتخبط بمشاعرها المتضاربة.
زفرت براحة حين تخلصت من يديه، ودثّرته، وخرجت تركض من غرفته؛ حتى إنها كادت تتعثر عدة مرات، وهي تركض إلى أن وصلت غرفتها أخيرا بسلام، وضعت يدها على شعرها؛ لتجد أن شعرها حر طليق، شهقت بفزع حين اكتشفت أن عقال شعرها قد سقط بغرفته، همست لنفسها بصوت مرتجف قائلة بغضب:
- يا نهار..! دلوقت لو لقاه هيعرف انى كنت في أوضته، ومش هيسكت.. ربنا يستر وما يشوفهوش..
تناست أمر عقال شعرها، وذهبت إلى الفراش، اندست به، وغرقت بنوم عميق.
بالصباح نهضت، وذهبت إلى المرحاض، وأخذت حماما باردا، ثم صففت شعرها، وجمعته إلى الخلف، وانتهت من الاستعداد للخروج, وهبطت إلى الطابق الأرضي لتناول الإفطار برفقة الجميع.
جلست على المائدة لتناول الإفطار، التفّ الجميع حول المائدة: إياد، ويزيد، والديهم، ونغم، حين لم يأت زين شعرت نغم بالراحة الشديدة، وزفرت بارتياح؛ لكن لم تدم فرحتها، ما هى إلّا دقائق؛ حتى وجدته يهبط الدرج متّجها ناحيتهم، ووجهه يشوبه بعض الشحوب من أثر الحمى بالأمس؛ لكنه بكامل أناقته؛ كأنه لم يكن به شيء بالأمس.
توجه ناحية المائدة بكل ثقة، وجلس قبالتها؛ ما أشعرها بالتوتر الشديد، جف ريقها، وكاد الطعام أن يقف بحلقها، فسعلت عدّة مرّات، فوجئت به يمد يده لها بكوب الماء بابتسامة ماكرة، وهو يرمقها بخبث قائلا:
- اتفضلي، وعلى مهلك.. مفيش حد بيجري وراكي!
همّت بالنهوض هربا من نظراته المسلطة عليها التي تربكها بشدة؛ فأمسك يدها بحزم، وهمس لها بخبث قائلا بحزم:
على فين يا زوجتي العزيزة؟!
نغم، وقد احمرّ وجهها بشدة، وشعرت بالخجل الشديد، وتمنت أن تنشقّ الأرض وتبتلعها، أجابته بخفوت:
- عندي معهد، وكورس بعد المعهد.
زين بصوت خافت، وحنون:
- بس انا مش عايزك تروحي النهارده.. ينفع تفضلى معايا؟!
نظرت إليه نغم بصدمة، وهي تحدّق به ببلاهة وفمها مفتوح من شدة الصدمة.
جذبها من يدها، ونهض والجميع ينظرون إليه باندهاش، ويقولون جميعا بداخلهم:
- ما هذا الجنون؟!
نهض كل من إياد ويزيد متجهين كلٌّ إلى عمله، وعاد إياد قبل أن يغادر، وهمس لوالده قائلا باهتمام:
- بابا.. امتى هتيجي معايا نخطب جودي؟! علشان احدد معاد معاهم!
والده بحنان أبوي:
- حدد معاهم المعاد اللي يناسبك يا حبيبي، وانا معاك بأي وقت..
كاد إياد أن يرقص من شدة فرحه، قبَّل والده، وغادر راكضا، وأثناء ما كان يستقل سيارته هاتف جودي، وأخبرها أن تلتقيه بالنادي؛ لأنه يريدها بأمر هام..
أنهى المكالمة، وقاد سيارته متجها إلى النادي، وكله شوق ولهفه للقاء حبيبته، حين وصل إلى النادي، قام بصف سيارته أمام النادي، ثم ترجّل منها متجها بخطى سريعة إلى الداخل..
ما أن شاهدها تجلس بانتظاره؛ دق قلبه بقوة، واتسعت ابتسامته لرؤيتها تجلس بانتظاره، تقدم منها بلهفة وشوق شديد، احتضن يدها بين يديه برقة شديدة، ثم رفعها لفمه، وقبّلها برقّة، وجلس أمامها، وبقى ممسكا بيدها بين يديه، وهتف لها بحب بلهفة شديدة أيضا:
- وحشتيني جدا الكام ساعه دول!
ممكن بقى يا قلبي تحدّدي معاد مع بابا؛ عشان عايزين نيجي نقابله..
جودي بخجل شديد:
- بس ليه يا إياد عايز معاد.. ليه؟!
إياد بعشق قد طلّ من عينيه..
- معقول لسه مش عارفه؟!
جودي بخبث:
- يمكن عارفه وعايزاك تقولّى!
إياد بخبث، وغمزة من عينيه، وابتسامة ساحرة تزين شفتيه:
- عشان بحبك! ومقدرش اعيش من غيرك! وعايز اكمّل حياتي معاكي! وانتِ يا قلبي إيه؟!
انتظر إجابتها وهو يتأمّلها بذلك الفستان الأزرق بلون السماء، وشعرها الحالك السواد كلون الليل يتألق فوق جبينها، وعينيها العسليتين اللتين تسحرانه بنظرة واحدة منهما، وبشرتها الخمرية اللون.
هتفت به بخفوت -وقد تسللت حمرة الخجل إلى خديها-:
- أيوه انا كمان بحبك! من قبل حتى انت ما تحبنى.. من يوم ما رميت نفسى قدام عربيتك! اليوم دا يا إياد أجمل أيام حياتي!
ابتسم إياد برقّة، ثم همس قائلا بحب:
- انتِ نور حياتي يا جودي! انا معاكي بانسى كل حاجه مضايقانى! انتِ جنه يا جودي!
----------------
أما يزيد فذهب إلى الشركة، وأنهى بضعة أعمال سريعا، ثم حدّث رحمة قائلا بجدّية:
- تعالي ورايا على العربيه، منتظرك، متتأخريش..
أخذت رحمة حقيبتها، ثم أسرعت للحاق به، وحين وصلت إلى السيارة فتح لها الباب؛ لتصعد إلى جواره، وما أن صعدت إلى السيارة حتى فوجئت به يهديها باقة من الورود الحمراء..
مدت يدها، وأخذتها على استحياء، وقد غمرتها السعادة لاهتمامه بها، وحرصه على إسعادها، انطلق يزيد بالسيارة، وطول الطريق يختلس النظرات اليها، ومد يديه، وأحتضن يديها بحب بين يديه، ثم رفعها لفمه، ولثمها برقّة.
خجلت رحمة، وخفضت عينيها خجلا منه، ابتسم لها يزيد برقّة، وتابع قيادة السيارة وهو لا يزال يحتضن يدها..
إلى أن وصل لوجهتهم. ترجل من السيارة، وأمسك يدها، ودلف معا إلى أحد الكازينوهات التي تقع على النيل.
قادها إلى الداخل وما زالت يداه مطبقتان على يدها بقوة، وكأنها أثمن أشيائه.
توجها معا إلى إحدى الطاولات، وأجلسها، ثم جلس قبالتها، تحدث إليها بنظرات تقطر حبا قائلا بعشق:
- تشربى إيه يا قمر؟!
رحمة بخجل شديد:
- شكرا.. مش عايزه حاجه!
- لا ازاي؟! لازم الجميل يؤمر.. وانا انفذ!
ابتسمت برقّة؛ ما جعله يهتف بها بخفوت وغمزة من عينيه قائلا بمرح:
- آه يا قلبي! لا انا مقدرش على كده!
أردف بخبث قائلا:
- قولي يا لهوى كده!
انفلتت من شفتيها ضحكة عالية؛ حتى انفجرت بالضحك مما لفت انتباه الجميع إليهما، صمتت، وهي تنظر حولها بحرج، وهتفت به بحزم:
- استاذ يزيد.. من فضلك بقى نتكلم جد شويه!
تنحنح يزيد، ورسم قناع الجدية على وجهه؛ لكن بقى يتأملها بدقة، وتمعن بذلك الفستان الوردي المزين ببعض الفراشات الصغيرة، وشعرها الأسود كلون الليل، وعينيها العسليتين، وتلك الشفاه التي تشبه حبة كريز طازجة تدعوك لالتهامها، فكلما جاءت عيناه عليها تمنى أن يوسعها قبلات؛ حتى يروى ظمأه منها، أشار لها قائلا بعشق:
- اتفضلى.. انا سامع، يلّا قولى كل اللي عندك!
ارتشفت قليلا من عصير البرتقال  الذي  وضعه النادل وغادر، وبدأت بسرد قصّتها عليه وهو منصت إليها بكل اهتمام وتركيز.
إلى أن قاطع حديثها صوت هاتفها يصدر رنينا متواصلا، التقطت هاتفها، وأجابت سريعا على المكالمة، أتاها صوت جارتها تتحدث بخوف شديد، وصوت أنفاسها يعلو ويهبط قائلة:
- رحمه! تعالي بسرعه.. الزفت عباس هيكسّر الباب عليا، ومحدش قادر عليه!
هتفت رحمه بخوف وفزع:
- ابنى يا طنط.. اوعى يقرّبله! انا جايه.. مسافة الطريق مش هتأخر!
خرجت تركض؛ فركض يزيد خلفها، بعد أن ترك الحساب على الطاولة..
*************

المشاكسه والمستبد الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن