الفصل الحادى عشر

1.1K 47 0
                                    

الفصل الحادي عشر
حين كانت جودي تركض خلف إياد، وتصرخ منادية عليه بلهفة قائلة، وهي تبكي:
- إياد.. إياد.. ارجوك اسمعني من فضلك استنى!
إلى أن جاءت سيارة مسرعة صدمتها، وفرت هاربة، وتركتها غارقة في دمائها.
التفت إياد؛ ليرى ما حدث حين سمع صوت الاصطدام، التفت خلفه؛ ليتفاجأ بجودي ملقاة على الأرض، وتنزف الكثير من الدماء، حملها بلهفة وهو يكاد يبكي من هول مظهرها الغارق بالدماء، ووجهها  الذي  تحول لونه إلى الأصفر الباهت.
حملها، ووضعها بالسيارة، وقاد السيارة بسرعة جنونية إلى أقرب مشفى.
أخذ إياد طوال الطريق يعنف نفسه على تسرعه، وتركها دون أن يعطيها فرصة للدفاع عن نفسها.
حين وصل إلى المشفى ترجل من السيارة، وحملها، وركض بها إلى الداخل.
أخذ يصيح بغضب قائلا بلهفة شديدة:
- دكتور.. دكتور أرجوكم بسرعه!
رافقته إحدى الممرضات إلى غرفة إجراء الكشف، جاء الطبيب لإجراء الكشف عليها، وطلب منه الخروج لحين الانتهاء من الكشف.
وقف إياد أمام الغرفة والقلق يأكله، وأخذ يزرع المكان ذهابا وإيابا كنمر حبيس يود الخروح من محبسه، والقلق يأكله.
بعد مرور عدة ساعات خرج الطبيب من غرفتها، فوقف أمامه إياد ينظر إليه بترقب بانتظار حديثه، تحدث إليه الطبيب بجدية قائلا باهتمام:
- متقلقش يا أستاذ.. هي شوية رضوض بسيطه، وكسر في ذراعها، ورجليها، وفي اشتباه يكون جالها ارتجاج في المخ، عموما مش عايزك تقلق.. الأشعه هيا اللي هتأكدلنا كل حاجه..
أكمل الطبيب قائلا بجدية:
- بس انا لازم ابلغ البوليس!
إياد بضيق:
- مفيش مشكله.. تقدر تبلغ براحتك، بس هتفوق امتى؟!
الدكتور:
- احنا عملنا ليها اللازم، والصبح بأذن الله هتبقى كويسه، ونقدر ساعتها نعملها الأشعه عشان نطمن عليها، افتكر وجود حضرتك ملوش لازمه.. تقدر تتفضل، وترجعلها بكره الصبح.
إياد بحزن:
- ممكن اشوفها يادكتور، لو حتى خمس دقايق؟!
الدكتور بلهجة تحذيرية:
- اتفضل.. بس ياريت مش اكتر من خمس دقايق!
اومأ له برأسه علامة الموافقة، دلف إلى غرفتها بهدوء شديد، مسح دمعة هاربة كادت أن تفر من عينيه، جلس إلى جوارها بهدوء، واحتوى يدها بين يديه برقة شديدة، ثم رفعها لفمه، ولثمها بعشق جارف ونظراته تقطر حزنا،
جلس يتأملها بحب شديد، يدها التي علقت بها المحاليل الطبية، ووجها  الذي  تحول للون الأصفر الشاحب، مال على أذنها وهمس بها برقة:
- سلامتك يا قلبي! آسف حبيبتي! طول عمري متسرع ودايما تسرعي دا بيخسرني كتير!
أكمل قائلا بحب:
- انتِ بس خفّي، وقومي، وشوفي انا هعمل ايه!
بعد أن انتهى من الحديث معها هاتف والديها؛ ليشرح لهما ما حدث معها، وأخبرهما عن المشفى التي بها جودي، ثم ذهب إلى أحد محلات الملابس، وقام بشراء ملابس نظيفة، حتى لا يثير قلق من بالمنزل.
ثم عاد إلى المنزل؛ ليجد الجميع قد خلدوا إلى النوم؛ فتوجه إلى غرفته، وبدّل ملابسه بعد أن أخذ حماما دافئا، ثم حين انتهى خلد إلى النوم سريعا من شدة الإرهاق.
بذلك الوقت كانت نغم لا تزال مستيقظة بغرفتها تفكر بزين، وبكيف سترد له الصاع صاعين، هي تعلم جيدا أنه منذ الصغر لديه رهاب من الدُّمى، أية دمية كان يراها كان يصرخ وبشدة.
من شدة الملل قررت أن تتصفح صفحتها على الفيس بوك، أمسكت هاتفها، وجلست تشاهد ما نشر على موقع الفيس بوك، وعقلها لا يكف عن التفكير بطريقة تجعلها تأخذ حقها منه، أثناء تصفحها لفت انتباهها فيديو قامت
أحد الفتيات بنشره، وهي تُجرى مقلبا بحبيها؛ فقررت على
الفور أن تنفّذ تلك الخدعة به.
أخذت تبحث عن رقم هاتف لمحل من  الذي  يوجد به ذلك المقلب إلى أن عثرت عليه أخيرا، فقامت بمهاتفته سريعا، وطلبت منه أن يأتي لها بواحدة من تلك الدّمى، وقامت بإعطائه العنوان، ثم حين انتهت.. نهضت تقفز وترقص بالغرفة؛ لأنها على وشك أن تلقنه درسا لن ينساه، بعد مرور بعض الوقت صدح هاتفها بنغمة الرنين.
أجابت على الهاتف بلهفة شديدة:
- ألو.. ايوه انا اللي طلبت اللعبه، أيوه تمام العنوان مظبوط، انت داخل على البيت دلوقت؟!
أجابت بثقة:
- تمام.. ثواني وهنزل اقابلك؟!
أخذت بعض النقود من حقيبتها، وهبطت بهدوء إلى الطابق الأرضي، وهي تتسلل حتى لا توقظ أحدا، إلى أن رن جرس الباب، ففتحت بهدوء شديد، وحاسبت المندوب، وأخذت الدمية.
ركضت إلى غرفتها وهي تضمها لصدرها بفرح؛ كأنها كنز عثرت عليه بعد طول انتظار، عادت إلى غرفتها، واستلقت بالفراش، ثم أخذت تفكر قليلا إلى أن غلبها النعاس؛ فغفت، وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة.
بالصباح كانت هي أول من نهض، وأخذت الدمية، وتوجهت إلى غرفته؛ لتضعها بجواره..
تسللت على أطراف أصابعها لغرفته، ثم فتحت باب الغرفة، ودلفت إلى الداخل ببطء شديد، ثم اقتربت من الفراش، ووضعت الدمية بجوار زين بعد أن برمجتها أن تعمل بعد خمس دقائق؛ حتى تكون قد غادرت الغرفة.
حين خرجت من غرفته ركضت باتجاه غرفتها، وارتدت ملابسها بوقت قياسي، ثم ركضت إلى الطابق الأرضي، قابلت وهي على وشك الخروج من المنزل والدتهم التي أوقفتها قائلة بتساؤل:
- ماشيه بدرى كده ليه يا نغم يا حبيبتي؟! طب استني افطري الأول!
نغم بقلق، وهي تنظر خلفها بترقب:
- ميرسي يا طنط! معلش مستعجله عندي محاضره..
تركتها، وركضت مبتعدة إلى الخارج.
بغرفة زين.. كان مستغرقا بالنوم، وهو يتقلب أثناء نومه اصطدمت يده بيد صغيرة إلى جواره؛ فنهض من نومه مفزوعا؛ ليشاهد وجهها مرعبا يحدق به؛ مما جعله يعود للوراء بظهره حتى سقط على الارض، وهو ينظر إلى الوجه المرعب المحدق به برعب شديد، وقد اتسعت عيناه من بشاعة مظهره، وأخذ العرق يتصبب من جبهته، وتسارعت دقات قلبه؛ كأنها تركض بسباق.
صاح زين غاضبا مناديا على والدته وهو يركض خارج غرفته متناسيا أنه يرتدى بنطاله فقط، وصدره عار، قائلا بصوت غاضب:
- ماما.. يا ماما أنتِ فين؟!
خرج الجميع من غرفهم على صوته العالي، كانت رحمة هي أول من خرجت من غرفتها، حين شاهدت "زين" عاري الصدر عادت إلى غرفتها وهي خجلة للغاية.
نهض يزيد أيضا مفزوعا؛ ليخرج هو الآخر ليجد شقيقه بمظهره ذلك يقف بالممر أمام الغرف.
جذبه يزيد إلى غرفته، وأجلسه على الفراش، ناوله كوب ماء، وحدثه قائلا بحزم:
اشرب يا زين، واهدى كده، واحكيلي إيه اللي معصبك كده على الصبح؟!
كاد زين أن يعترض على حديث شقيقه؛ لكنه صاح به بغضب:
- جرى إيه؟! اهدى شويه.. وبعدين انت ازاي تطلع من اوضتك بالمنظر دا؟! لاحظ انك دايما مندفع، ومتهور كده؟!
ارتشف زين كوب الماء كاملا، ثم تحدث إلى أخيه بغضب وغيظ شديد:
- ما هو انت متعرفش ايه اللي حصل؟! انت لو عارف مكنتش تتكلم كده؟!
يزيد بتأفف:
- أيوه اخلص يا زين! في إيه فهمنى؟!
زين بغضب شديد:
- تعالى بس انت معايا أوضتي، ويا ريت تاخد معاك الشيء الموجود فيها!
اعطاه يزيد جاكت بيجامته؛ ليرتديها، وأثناء خروجهما من غرفة يزيد وجدا والدتهما مقبلة عليهما تتساءل بلهفة قائلة:
- خير يا زين! مالك بتصرخ ليه كده؟!
زين بتأفُّف:
- تعالي يا ماما، وانتِ تعرفي السبب.
أخذهم، وذهبوا جميعا إلى غرفته، فوقف بعيدا عن الفراش، وأشار إلى أخيه إلى مكان الدمية.
توجه يزيد إلى حيث أشار زين، ونظر في الأرض فشاهد دمية مظهرها بشع للغاية، فانحنى لالتقاطها، ثم رفعها في يده ليتفحصها جيدا، ثم انفجر ضاحكا وهو ينظر إلى زين  الذي  يبدو على هيئته الرعب، وبسبب ماذا؟! مجرد دمية!
زين بغضب:
- انت مستفز يا يزيد! بتضحك على إيه انا مش عارف!
يزيد بتهكم قائلا:
- أصلك تافه جدا يا زين! بقى هي دي اللي مخوفاك، وخلّتك تسيب أوضتك، وتجري زي المجنون؟!
زين بغضب:
- ماشى يا سيدى.. أنا مجنون! يلّا خدها، واتفضل يلا.. عايز انام!
يزيد بضحك:
- نام يا حبيبي.. بس اوعى تطلعلك في الاحلام!
أخذت والدته تضحك هي الأخرى على ولدها  الذي  أثبت أن عقله عقل طفل رغم كل أفعاله.
خرج الجميع من غرفته، وعاد زين للاستلقاء مرة أخرى، وأخذ يفكر ترى من فعل به ذلك..
أما والدته فأخذت تقص على يزيد ما حدث بالصباح؛ فانفجر يزيد بالضحك؛ حتى دمعت عيناه، نظرت إليه والدته بريبة؛ فسألته قائلة بتعجب:
- مالك يا ولد؟! إيه إلى بيضحكك كده؟!
- أصل انتِ عارفه مين إلى عمل كده في زين؟! دي نغم، بس انتِ عارفه؟! هو يستاهل أصلا.. شويه من اللي بيعمله فيها!
والدته بقلق:
- ده لو عرف هيبهدلها.. ربنا يستر وما يعرفش.
أخذ زين يتقلب على الفراش يمنة ويسرة؛ لكنه لم يستطع النوم، وحين كان يتقلب لمح شيئا يلمع على الفراش، فأمسكه ليرى ما هو، وجدها قلادة، بمجرد أن نظر إليها علم على الفور أنها قلادة نغم، هتف قائلا بحنق شديد:
- ماشي يا نغم! ان ماربّيتك مبقاش انا، واضح انى دلعتك كثير.
حين لم يستطع النوم نهض، وأخذ حماما، وبدل ملابسه، وغادر دون أن يحدث أحدا.
عادت نغم في نهاية اليوم إلى المنزل، وتوجهت لغرفة شقيقتها، ثم طرقت الباب، فأجابتها شقيتها قائلة:
- ادخل.
دلفت نغم إلى الداخل، وأسرعت لحيث تجلس شقيقتها،
وهرولت إليها بلهفة شديدة، واحتضنتها بشوق جارف، وأخذت تبكى بشدة.
جففت لها رحمة دموعها، واجلستها إلى جوارها، وتحدثت إليها وهي تتأملها بحب شديد:
- نغوم يا قلبي.. انا آسفه اني امبارح قابلتك ببرود شويه، انتِ ما تعرفيش انا كانت حالتي عامله ازاي؟! انا كنت هموت من الرعب على اللي حصل امبارح.
جلست نغم تستمع إلى شقيقتها التي أخذت تقص عليها أحداث الأمس كاملة، وحين انتهت انهمرت الدموع من عينيها بغزارة، ضمتها نغم لصدرها بحب لتهدّئها، وأخذت تربّت على كتفها بحب، وهمست لها بحنان شديد:
- بس خلاص يا حبيبتي.. بلاش دموع، كفايه حزن كده يا قلبي! انتِ ربنا بيحبك، وعشان كده عوضك بأبيه يزيد.
رحمة بخجل وهيام قائلة:
- يزيد.. هو في زيه في حنيته، وطيبته، وخوفه عليا؟!
أثناء حديثهم دلف يزيد إلى الغرفة، فهتفت نغم بحب:
أبيه يزيد.. حمد الله على السلامه! جيت بدري يعني؟!
يزيد بهيام وغمز من عينيه لرحمة:
- أصل خلصت شغل، فجيت عشان سينو وحشنى عايز العب معاه!
نغم بغمزة من عينيها:
- سينو برضو؟! ماشى يا أبيه، طيب عن إذنكم انا بقى اروح أوضتى.. سلام يا روحي!
انحنت لتقبل ياسين النائم بمهده، وغادرت الغرفة متجهة إلى غرفتها.
احتضنها يزيد دون مقدمات، وهمس لها قائلا بشوق:
- وحشتيني يا حياتى.
رحمة بحياء:
- وانت كمان!
جلس إلى جوارها، وأخذ يتأملها، تحدثت إليه رحمة بتساؤل قائلة:
- يزيد هو انت ازاي اتأكدت اني أخت نغم؟!
يزيد بعبوس:
- بالبدايه جالي جواب على هنا من شخص مجهول بيقولي فيه انك ملكيش أهل، وانك يتيمه، وميعرفوش مين أهلك، واني لازم ابعد عنك؛ عشان انتِ مش من مستوايا، وكلام كثير ملوش لازمه مأثرش فيا، ولا قلل حبي ليكي ذرة، فكلمت صديق ليا شغال في السجل المدني يجبلي تفاصيل عنك، واليوم اللي قعدنا فيه مع بعض في الكازينو.. اتأكدت أكتر من المعلومات إلى وصلتنى في اليوم دا من كلامك معايا، ومن بطاقتك واحنا بنكتب الكتاب، ومن صورة مامتك اللي مع نغم اللي انت تشبيهيها كتير، وانا معاكي يومها كلمت شركة أثاث بتعامل معاها تجهزلك أوضتك عشان تبقى مفجاءه ليكي.
رحمة بحب كبير:
- مش عارفه بجد اشكرك ازاي على كل اللي عملته عشاني، انت رجعتلي حياتي من تاني، وحسيت معاك اني ملكه.
يزيد بشوق جارف:
- طبعا انت ملكة قلبي! يا قلبي انت!
قربها منه، وقبّلها برقة شديدة ارتجف لها قلبها، وتسارعت نبضاتها بشكل غير طبيعي، ثم تركها بعد أن قبّل الصغير؛ ليبدل ملابسه.
ذهب إلى غرفته، ودلف إلى المرحاض ليأخذ حماما باردا..
أما نغم حين دلفت إلى غرفتها، وتوجهت إلى الخزانة؛ لتخرج ملابس؛ لتبدل ملابسها، ما أن فتحت الخزانة حتى صرخت بفزع شديد وهي ترى أمامها فوق ملابسها فأرا لزجا؛ ما جعلها تصرخ بهستيريا، وتركض إلى خارج غرفتها؛ لتركض على الدرج، وما كادت تضع قدمهاعلى أولى الدرجات حتى تعثّرت، وفقدت توازنها، أغمضت عينيها، واستسلمت لقدرها.

المشاكسه والمستبد الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن