الفصل السابع

1.3K 59 0
                                    

الفصل السايع
‏وحينَ سُئِل لماذا.. هي ما أن شاهد يزيد زين، والأحمال التي يرفعها تكاد تسقط منه، وعضلات يديه تشنجت صرخ به يزيد بهلع، وخوف شديد قائلا:
- زين خلي بالك الأحمال هتفلت من ايدك.
انتبه زين أنه قام برفع أحمال زائدة.. كان يضع الأحمال بالحامل وهو غير منتبه من شدة غضبه، فتلك هي وسيلته الوحيدة للتنفيس عن غضبه.
أسرع إليه يزيد، وساعده على ترك الأحمال على الأرض، وقف زين يتنفس بسرعة شديدة، والعرق يتصبب من جبهته، اقترب يزيد منه، وأمسك بيد أخيه الذي ما أن لمس يديه حتى صاح بألم قائلا:
- بس يا يزيد.. الألم فظيع! خف إيدك عن دراعي شويه!
أردف يزيد بغضب لشقيقه المتهوّر:
- انت إيه؟! متهور؟! حد يشيل كل ده؟! اعقل بقى يا ابني وبطل جنان!
أكمل يزيد بصوت غاضب:
- فهمني بقى سبب الجنان دا كله إيه؟! انت كان ممكن يجيلك تمزق في عضلات ايدك!
وصاح به غاضبا:
انطق.. قوللي ليه دا كله؟!!
زين بألم شديد، وهو يرفع ذراعه يحاول تحريكه أردف بغل شديد، وهو يئن من شدة ألمه:
- مفيش.. كنت مضّايق شويه، وطلّعت همى في اللعب!
يزيد -بغضب ووعيد يطل من عينيه- هدر به:
- اعقل يا زين، بدل ما أنا اللي اعقّلك.. بلاش جنان! يلّا تعالى معايا اوديك اوضتك..
التزم زين الصمت لشعوره بالتعب يغزو جميع أنحاء جسده، أسنده يزيد، وقام بإيصاله غرفته, وذهب إلى المطبخ ليجلب لأخيه مكعبات من الثلج يضعها على ذراعيه.
حين دلف إلى المطبخ؛ فوجئ بنغم تعد لنفسها مشروب النسكافيه المفضل لديها، نظرت له وعلامات الحيرة ترتسم على محيّاها، هتف بقلق وهي ترى ملامح يزيد العابسة.. قائلة بقلق:
- خير يا أبيه؟! في حاجه؟! مالك شكلك قلقان؟!
يزيد بقلق شديد وهو يحاول التحكم بغضبه أجابها بصوت حرص أن يخرج هادئا:
- مفيش.. زين بس شكله ضغط على نفسه في شيل الحديد، وأكيد أعصابه اتشدّت جامد..
شعرت نغم بالقلق على زين؛ حتى إنها رغما عنها هبطت منها دمعة سريعة أزالتها سريعا؛ لكي لا يلاحظ يزيد.
حدثته نغم بهدوء وهي تحاول إخفاء قلقها، ودقات قلبها التي كادت تكون مسموعة:
- اتفضل انت يا أبيه روح عنده، وانا هجيب لحضرتك كريم باسط للعضلات والتلج، وهاجي وراك..
حاول يزيد الاعتراض؛ لكن نغم أصرّت بشدة على موقفها.
تركها، وغادر متجها لغرفة شقيقه، جلب حقنة مسكنة، وقام بإعطائها إليه؛ لتسكين آلامه؛ حتى يستطيع النوم.
جاءت نغم إلى غرفة يزيد وهي تحمل معها الثلج، ودهانا باسطا للعضلات، وجدت يزيد يجلس بجوار زين، وزين يغمض عينيه والألم يرتسم على محياه، وكلما حرك ذراعه يئن من الألم..
اعتصر الألم قلبها لرؤيته بهذا الوضع، ودمعت عيناها من شدة حزنها على الحالة التي أوصل نفسه اليها..
مدّ يزيد يده ليأخذ الثلج منها؛ لكنها أصرت أن تضعه له بنفسها.. أصرت نغم على يزيد بشدة أن يذهب هو ليرتاح.. قائلة باهتمام شديد:
- اتفضل حضرتك يا أبيه، وانا هخلي بالى منه، وهحطّله الثلج..
تحدث إليها يزيد بامتنان قائلا وهو يربت على كتفها بودّ:
- تسلميلي يا نغوم! تصبحي على خير يا حبيبتي!
نغم بود شديد:
- وانت من أهله يا أبيه!
جلست إلى جواره، وقامت بوضع الثلج على ذراعيه، وأخذت تمرره على مكان الألم..
ثم جففت ذراعيه، وقامت بوضع طبقه من الكريم، ودلكتها بأطراف أصابعها.
بالبداية تألم زين؛ لكن مع رقه يدها بالتدليك خفت شعوره بالألم قليلا.
جلست إلى جواره؛ ظنا منها أنه نائم؛ لكنه كان فقط يغمض عينيه من شدة الألم..
تلألأت بضعة قطرات من العراق فوق جبينه؛ فنهضت نغم تقوم بإزالتها بقطعة القماش المبللة بالماء البارد، وما أن وضعت القماش؛ تفاجأت به يفتح عينيه؛ يحدق بها بغموض، ونظرات لم تعرف ما سرها!
بقى زين يحدق بعينيها الفيروزيتين بتيه وشرود، غير قادر على نزع عينيه عنها؛ كأنه قد غرق في بحور عميقة ولا يعرف سبيلا للنجاة.. بتلك اللحظة نسى كل قراراته بشأنها؛ كأنها ذهبت ادراج الرياح.. حتى غضبه وغيرته، شعر أنه لا مكان لهما الأن، حاول الحديث؛ لكن لسانه لم يطاوعه على الحديث.
شعر بانه كالمغيب أمام سحر عينيها، مد يده التي آلمته بمجرد تحريكها؛ لكنه أصر على تنفيذ ما عزم عليه، قرّبها منه لتصبح شفتاها مقابلة شفتيه، ثم دون مقدمات قبلها برقّة وبشغف بمشاعر شتى سجنها كثيرا بداخله، وتحررت الآن..
شعرت نغم أنها مثل طائر صغير يحلق في الفضاء من شدة السعادة، و قبلته تلك مست شغاف قلبها حتى إن قلبها كانت تعلو دقاته فرحا، وعقلها مغيب لقربها منه، ونبضها يتسارع بجنون.
ابتعد عنها، وارتمى على الوسادة، وادّعى أنه أغمض عينيه؛ ليهرب منها ومن ضعفه الذي أغضبه بشدة..
ادّعى النوم، وتركها تتخبط بمشاعرها المشتتة وشعورها باللهفة؛ لتبقى بقربه أكثر، غادرت إلى غرفتها وهي تسير كالمسحورة كمن مسه سحر؛ فزلزلت كيانها الصدمة وألجمت لسانها، وبعثرت كيانها، عادت إلى الغرفة، ثم اندست أسفل الغطاء، ونامت بعمق، وهي تكاد ترقص فرحا.
عقب مغادرتها؛ عنّف زيّن نفسه بشدة.. حتى إنه من شدة غضبه اشتد الألم عليه مرة أخرى.
هتف لنفسه بغضب -وهو يكز على أسنانه بشدة حتى كاد يسحقهم-:
- انا ازاي اسمح لنفسي اضعف كده؟! معقول اسيبها تأثّر عليا بالشكل ده؟!
مش عارف ايه جرالي وأثر عليا كده! لازم اسيطر على نفسى اكتر من كده! مش لازم تشوفني ضعيف قدامها!
عنّف نفسه بشدة، وحاول أن يهرب من التفكير بالنوم.
بعد لوم عنيف مع نفسه غفا، وغرق بنوم عميق..
بالصباح.. نهض زين بتكاسل، وأخذ يحرك ذراعيه؛ ليجد أن الألم قد هدأ كثيرا، أخذ ملابسه، وتوجه إلى المرحاض ليأخذ حماما باردا قبل أن يذهب لعمله.
انتهى من حمّامه، وارتدى ملابسه، وصفّف شعره، وتوجّه إلى الطابق الأرضي بعد أن نثر عطره المفضّل.
أثناء ما كان يخرج من غرفته ليهبط إلى الطابق الأرضي اصطدم بنغم التي كانت على وشك أن تقف أمام غرفته.
تفحصها من رأسها حتى قدميها؛ كانت ترتدى فستانا باللون الوردي مطرزا ببعض الوردات من نفس اللون، وشعرها البنى يسترسل بحرية على كتفيها.
لمعت بعينيه نظرة انبهار؛ لكنه أخفاها سريعا، ورمقها بتهكم، ودفعها لتبتعد عن طريقه دون أن يوجّه إليها كلمة واحدة.
رفعت نغم رأسها بشموخ، وتجاهلته، وهبطت راكضة إلى الطابق الأرضي.
انضم الجميع إلى طاولة الطعام؛ لتناول طعام الإفطار، صفع يزيد شقيقه  الذي  جلس إلى جوارة على مؤخرة عنقه، وهمس بأذنه بمكر قائلا بصوت هامس:
- ابقى شيل على قدّك يا زفت! انت المرة الجايه مش هتلاقيني عشان الحقك!
عبس زين من مشاكسة أخيه، ونهض بعد أن التهم عدة لقيمات.
خرج من المنزل مسرعا، وأستقلّ سيارته متجها إلى عمله.
أنهى الجميع إفطارهم، وغادر كل منهم إلى طريقه.
وصل يزيد إلى مكتبه، ثم ضغط على زر استدعاء موظفة العلاقات العامة.
دلفت الفتاه إلى مكتبه وهي تسير بجدية، وبعد أن ألقت عليه التحية أردفت قائلة بجدّية شديدة:
- تحت أمر حضرتك يا فندم.
استند يزيد براسه للخلف، ووضع نظارته، وتحدث بجدية تامّة قائلا باهتمام:
- عملتي إيه في موضوع السكرتيره اللي قولتلك تجهزي عقدها، وتبعتيلها تيجي تستلم الوظيفة؟
أجابت الموظفة عليه بجديّة وحزم قائلةً:
- أيوه.. تمّ يافندم، وبعتنا ليها تيجي النهارده تستلم الشغل..
أردف يزيد بتفكير وهو يحكّ ذقنه بأطراف أصابعه قائلا:
- هيا وصلت، ولا لسه؟!
الموظفة –بحزم-:
- لسه يا فندم موصلتش..
يزيد بحدّة غير عادية هدر بها بصوت غاضب:
- ازاي كل دا لسه موصلتش؟! هيا متعرفش المواعيد ولا إيه؟!
أول ما توصل ابعتيهالي ومعها ملف الصفقة الجديدة..
الموظفة باحترام:
- أكيد يا فندم.. بعد إذن حضرتك.
وصلت إلى مقر الشركة وهي تركض بشدة حتى تقطعت أنفاسها، لقد تأخرت بأول يوم خمس عشرة دقيقة، بالطبع سيقوم برفدها ذلك المدعو يزيد.
وقفت لتلتقط أنفاسها، ثم استقلّت المصعد؛ لتصعد به للطابق الموجود به الشركة.
أخذت تطالع ساعة يدها تارة، وتارة أخرى تراقب صعود المصعد إلى أن وصل للطابق المنشود، ركضت باتجاه باب الشركة، ودلفت وهي بالكاد تلتقط أنفاسها بصعوبة.
توقّفت لتضبط هندامها، وتعيد تصفيف شعرها بيدها، ونثرت قليلا من العطر، ودلفت إلى حيث يقع مكتب موظفة العلاقات العامّة.
ما أن شاهدتها الموظفة حتى هتفت بها بحدة:
- اتأخرتي جدا، والمدير سأل عليكي.. اتفضلي الملف ده، وادخليله بيه حالا.
مدّت رحمة يدها، وأخذت الملف من الموظفة، ودلفت به إلى مكتب يزيد بعد أن طرقت على باب مكتبه.
جاءها صوته من الداخل قائلا بترقّب ولهفة شديدة:
- ادخل..
تقدمت إلى حيث يجلس يزيد ومعها الملف، قدمت إليه الملف قائلة بخجل -وهي تخفض عينيها وقد غزت حمرة الخجل خديها-، وأردفت بصوت حرصت أن يكون جادّا:
- اتفضل حضرتك الملف، وآسفه على التأخير!
أخذ يزيد يقيمها من رأسها حتى قدميها، كانت مثيرة وبشدة وساحرة بذلك الفستان الأزرق بلون السماء، وشعرها الحالك السواد  الذي  تضمه على هيئه كعكة خلف رأسها، وذلك اللون الأحمر القاتم  الذي  يزين شفتيها، ورسمة الكحل بعينيها العسليتين.
تظاهر بالثبات وهو يحدق بها بإعجاب غير عادى،
تحدث إليها بحزم قائلا -وهو يشير لها بيده-:
- حطيه عندك على المكتب، وسماح المرة دي، بس لو اتأخرتي تاني مش هيحصل كويس، وأشار لها لتغادر الغرفة.
فخرجت وهي تكاد تركض هربا منه، ومن مشاعرها المتقدة التي خشيت أن تنكشف له.
بعد أن خرجت زفر يزيد بقوة؛ يخرج أنفاسه التي كان يحبسها بداخله في وجودها، وابتهل إلى الله داعيا أن يعينه على الأيام القادمة فقربها منه يزلزل كيانه، ويبعثر نبضاته؛ فهو يقاوم شوقه إليها بشدة.. يعينه الله على تحمل الأيام القادمة، ستكون مهلكة له.
بالنادي كان إياد يجلس باحثا بعينيه عن جودي التي تمنى أن يقابلها اليوم أيضا، وأثناء ما كان يجلس بانتظارها ويحتسى مشروبا باردا؛ وجدها مقبلة عليه بطلّتها الفاتنة، وشعرها الأسود المجعّد يتمايل على كتفيها، وعيناها البنيتان تبحثان عنه بأرجاء النادي، وهي تتهادى بثوبها البنى  الذي  يزيد من فتنتها.
أخذ إياد ينظر إليها بانبهار شديد وإعجاب غير عادي، حين شاهدته اتجهت إليه سريعا، وصافحته؛ فدعاها إياد للجلوس، وطلب لها كوبا من العصير.
اخذ يتحدث معها بمواضيع شتى، ثم اقترح عليها أن تلعب معه تنس؛ فوافقت على الفور، وذهبت إلى غرفة الملابس؛ لتبدّل ملابسها، وكذلك فعل إياد.
أخذا يلعبان كثيرا، وأثناء اللعب حدثها يزيد بإعجاب شديد قائلا بخفوت:
- انتِ عارفه انا مستنيكي بقالي قد إيه؟!
جودي وهي تنظر إليه بانبهار:
- قد إيه؟! ومين قالك انى هاجي النهارده؟!
إياد بهيام وعشق أطلّ من عينيه:
- قلبي قاللي انك لازم هتيجي النهارده!
أردفت جودي بضحكة ناعمة سحرته قائلة:
- مغرور قوى على فكره!
ضحك إياد حتى دمعت عيناه، انتهيا من اللعب، وذهب كل منهما لتبديل ملابسه، وأثناء مغادرتهما همس لها إياد قائلا بحب:
- ممكن تبلغي تحياتي لبابا وماما.. وتقوليهم ياريت يشرفونا.. الخميس الجاي خطوبة زين اخويا الصغير!
جودي بخجل:
- إن شاء الله.. ألف مبروك!
همس لها إياد بخفوت قائلا -وهو يغمز لها بعينه-:
- يا رب! عقبالي انا واللي في بالي!
_________________________
بمكان آخر كان يجلس عدة أشخاص على طاولة قمار، يلعبان سويّا بحماس، وكلما اشتدّ الحماس زاد مبلغ الرهان، جذب أحدهم أخاه من ذراعه، وخرج به إلى النافذة، تحدث إليه بقلق شديد، وهو يلتفت حوله كل دقيقة قائلا:
- وبعدين يا أشرف انت مش هتبطل لعب بقى؟!! كفايه اللي خسرته لحد دلوقتي، وكفايه الفيلّا والعربيات اللي وارثها من اخوك ضيعتها كلها على لعب القمار، مفضلش غير عربيه واحده، والبيت اللي كان ساكن فيه.
أردف أخوه -ويدعى حسن بغضب-:
- هو انت عملت حاجه؟! لولا انا وتفكيري وتخطيطي مكنّاش أخدنا منه حاجه! انا اللي خططت، وبعتّله اللي ينفذ.. لولا انه هرّب فلوسه كان زمانا اتمتعنا بيها، ولا ولاده اللي اختفوا.. كنا قتلناهم هما كمان وارتحنا! انا لولايا مكنّاش نقدر نستفيد بأى حاجه، انا اللي زوّرت امضته، وبعت لنا كل حاجه.. حتى شركته.
-----------------------
بمكان آخر كانت نغم على وشك الانصراف من المعهد فاذا بأحد زملائها يوقفها قائلا:
- نغم ممكن كلمه بعد اذنك؟!
نغم بتساؤل:
- اتقضل يا هشام..
هشام بإعجاب شديد:
- انا كنت عايز اجيب ماما وبابا، ونيجى نتقدملك!
ما أن تفوّه بتلك الكلمات حتى استمعت نغم لصوته المحبّب إلى قلبها؛ لكن بنبرة حادة أرعبتها قائلا بغضب:
- هي الهانم مقالتش لسيادتك انها اتخطبت؟! وكتب كتابها الخميس الجاى.. يا ريت تبقى تشرفنا..
وقف الشاب ينظر إليه، وينقل نظراته بينهما بذهول غير مصدق ما يستمع اليه.
ارتعبت نغم بشدة، وارتجف قلبها من مجيء زين، وخشيت من غضبه الشديد.
جذبها من يدها بشدة آلمتها، وهدر بها غاضبا:
- انا مش محرّج عليكي تكلمى أى شاب؟! حصل ولا لأ يا نغم؟!
اردف بغضب، وهو يكز على أسنانه:
- كلامي يتنفذ يا نغم.. انتِ هاتشيلى اسمى، وإلّا هتشوفي مني وش تاني! من النهارده مفيش خروج لوحدك، انا هاجى اوصّلك وارجع اخدك، على العموم لينا كلام تاني في البيت!

المشاكسه والمستبد الجزء الأولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن