حياتنا ليست سوى رحلة طويلة، نصادف فيها العديد من الوجوه، رسمتها في مخيلتي تلك التي أحبها لكن قدر لنا ألا نلتقي، جميعنا مجرد فترات، أدوار ثانوية في تلك المسرحية المدعوة بالحياة، ليتني صادفتها تلك التي أنجبتني، وحضيت بـحظنها ليتها ما تركتني، إني شريدة بلا عنوان، هي هويتي وعنواني، لا ملجأ لي إلا حضنها، فأي أمان في رحيلها، أكرهها بقدر ما أحبها بداخلي حزن وشوق يتصارعان...
إستغرقت تارا الكثير من الوقت محاولة تجاوز حقيقة والدتها لكن دون جدوى، كان طيفها يزورها كل ليلة، لم يفلح الخمر في جعلها تنسى، لقد كان مجرد علاج يخمد نار قلبها لبعض الوقت فحسب ، تستيقظ صباحا مثل كل يوم، صداع رهيب يستوطن دماغها، كانت الغرفة ممتلئة برائحة الخمر، تضغط تارا على رأسها بقوة وتقوم من سريرها بخطوات بطيئة متجهة نحو الحمام، لكن يلفت إنتباهها ذلك المعطف المرمي فوق السرير، تنظر له تارا بإستغراب وتقول: ما هذا؟ ماذا يفعل هذا المعطف في غرفتي؟ تصمت قليلا ثم تقول: تذكرت هذا معطف ذلك العجوز المجنون. تبا لا يوجد مجنون غيري هو أكثر حكمة مني. تنهي كلامها وتدخل للحمام لتنعم بحمام دافئ...
في مكان آخر كانت تولين جالسة تشاهد التلفاز شاعرة بالملل، فهي من النوع الذي يحب العمل و يقدسه، تولين بتأفف: اوووف اللعنة سيستمر هذا الوضع لمدة أسبوع، لن أستطيع التحمل أكثر يجب أن أعود لعملي. تمسك تولين هاتفها وتتصل على خوان والذي يرد عليها بسرعة: أهلا توليييين لقد إشتقت لك يا عزيزتي. تولين بإبتسامة: صباح الخير خوان كيف الحال هل من جديد؟ خوان بتذمر: الوضع يزداد سوءا منذ رحيلك أصبح المكان لا يطاق. تولين بتفكير: اممم ماذا لو حاولت إقناع السيد جاكسون بإعادتي للعمل أنا أيضا سئمت الجلوس بالبيت. خوان بفرح: حقااا؟ أتودين العودة إعتبريها إجازة و إرتاحي. تولين بعبوس: راحتي في عملي هيا حاول إقناعه أعلم جيدا أن كلامك يؤثر عليه. يضحك خوان ويقول: ههههههه أنا أمارس عليه ألعابي السحرية، إعتبري أنك عدتي للعمل إبتداءا من الغد لكن لدي شرط صغير جدا. تولين بضحك: ههههههه وتضع الشروط أيضا؟ خوان: شرط صغير لا تخافي، كل ما في الأمر أود دعوتك الليلة لنخرج سويا و نتناول العشاء في إحدى المطاعم الفاخرة. تولين: و أدفع أنا ثمن العشاء مثل العادة. خوان بضحك: ههههههه لا أنا من سيدفع هذه المرة. هاا ماذا قلتي؟ ترد عليه تولين قائلة: أوكي إتفقنا. خوان بحماس: أخيييرا سأتناول العشاء رفقتك لقد بدأ الجوع يسيطر عليا منذ الآن . تضحك تولين على سذاجة صديقها وتكمل الحديث معه لبضع الوقت ثم تنهي الأتصال وترتدي ثيابها وتخرج متوجهة نحو الشاطئ فالبحر هو مكانها المفضل الذي تحب الجلوس فيه دون كلل أو ملل. تخرج تولين من بيتها وتذهب للشاطئ، كان المكان يعم بالحركة والناس وهذا لا يناسب تولين البنت المتزنة التي تحب الهدوء، تبتعد تولين عن التجمعات لتحظى أخيرا بمكان هادئ قليلا، لم يكن هناك سواها هي وخمسة أشخاص بعيدين عنها نوعا ما، تجلس فوق الرمال الذهبية مقابلة لموجات البحر الذي يعكس زرقة السماء، كانت تبحر بذكرياتها مع كل مد وجزر، ذكريات إحتفظت بها في قلبها قبل عقلها عن والديها، تبتسم تولين و تهمس: لقد كبرت يا أمي لكن ذكريات طفولتي لن تفارقني لأنك كنتي فيها، أشتاق لك كثيرا...
في مكان آخر ليس ببعيد كانت تارا تمشي بين التجمعات باحثة عن ذلك الشيخ لتعيد له معطفه. تارا بعبوس: اللعنة أين أجده الآن؟ ماهذه الورطة يا إلهي. تستمر في المشي لفترة طويلة حتى بدأ يصيبها الإرهاق، تتوقف فجأة وتتحول ملامحها بسرعة من ملامح هادئة إلى ملامح يكسوها الغضب. تارا بصوت مرتفع: اللعنة على هذا الصباح السيء الذي يشبه وجهة. تنظر لها تولين والتي لا تزال جالسة نظرات سخرية وتقول: ههه أعتقد بأن صباحي سيكون فكاهي جدا، هل تحولتي من مجرمة إلى متسولة. تنهي تولين كلامها وتركز نظرها على المعطف الذي تحمله تارا وتضحك. تتصاعد الدماء لرأس تارا وتصرخ قائلة: لا يوجد متسول غيرك ولا تظني أن الأمر سينتهي هنا أعدك ستدفعين الثمن غال. تقف تولين وتقترب من تارا لدرجة كبيرة، توجه نظراتها الحارقة على عيون تارا وتقول: أنا لا يتماشى معي أسلوب التهديد هذا، هيا أغربي عن وجهي لأنني أتقزز من رؤيتك. في هذه اللحظة تسدد تارا لكمة على وجه تولين والتي ترد عليها هي الأخرى بلكمة قوية، ليتحول الوضع لشجار عنيف. دخل بعض الأشخاص بينهما محاولين بذلك إنهاء هذه المعركة الدامية لكن كل واحدة منهما كانت تتوعد الأخرى بأن تدفعها الثمن. يمر بعض الوقت وتعود كل واحدة لبيتها شاعرة بالإستياء والحقد على الأخرى، ليتحول الوضع بذلك من قضية قانونية إلى مسألة شخصية...
ترى مالذي تخفيه الأيام لبطلتنا تولين و تارا؟ وما نهاية هذه العداوة؟
user42630220