مقدمة

2K 27 6
                                    

إنه ليل حالك كجميع الليالي السابقة فنور القمر عسير علينا، فلم يصل إلينا قط فكيف يصلنا ونحن كفئران الجحور، نقطن بحي صغير في شارع ضيق في أكثر حوارية ضيقاً ثم زقاق أشد ضيقاً داخل منزل أن كان هذا الشئ الذي نحيا بداخله يجوز نطلق عليه منزلاً، هو مبني عجيب متهالك من ثلاثة طوابق غيرنا، فأنا من سكان الدور الأرضي الذي يتكون من بهو كبير وعدة غرف و دورة مياة وحيدة، ليست كما تعلمونها ولكن عبارة عن دائرة كبيرة مجوفة، فالأرض تدعي طاقة وينصرف ما بداخلها إلي طرنش تأتي السيارة لتفريغه كل عدة أيام، فحينا لم يصله الصرف الصحي بعد، وأن لم تأتي تلك السيارة نغرق في المخلفات.
أعيش مع أمي في أحد الغرف ورغم إنني وعيت منذ نعومة أظافري في هذا المكان إلا أنني لا أشبهه فقد أصرت أمي علي ذلك دائما فكانت تخبرني أن تعليمي الأهم حتي انتهي من الجامعة، هو هدفها الوحيد وكانت أمي متعلمة عكس أغلب الجيران باستثناء أحدي جارتنا وصديقة أمي، أيضا قد وصلت إلى الدبلوم ولكن لم تنهي تعليمها الجامعي لضيق الحال، فكانت سمة المكان أن يتوقف التعليم بعد المرحلة الإبتدائية هذا أن وصلوا إلى نهايتها من الأساس.
و كانت أمي تهتم لهندامي كثيراً وتصفيفي كانت تعمل ليلا ونهارا في أحد المصانع حتي لا تقبل بتلك المساعدات التي تأتي من سكان منزلنا فالجميع معدم حقا إلا أم محمد صاحبة البناية وأكثر من تحصل على المعونات فلها قصة عجيبة، فهي من أحدى قرى الصعيد لم تخبرنا من أي قرية هي وأتت مع زوجها إلى القاهرة حتي يجد عملاً ولكن سقط أمام القطار فمات في توه ولم تستطع أم محمد العودة إلي بلدها فهي لا تعرف لها سبيل كما تقول اظنهم طُرِدوا منها لسبب ما، فكيف لا تعلم من أين هي ولا تسطيع العودة لا يهم هذا الأمر.
كانت أم محمد أم لسبعة أبناء أكبرهم في عامه السابع واصغرهم بعمر الشهرين أتي بها أحد الجيران إلى حينا واستأجر لها الغرفة ولكوننا من سكان حي معدم فكان يأتينا معونات كثيرة ترفضها أمي وتأخذها أم محمد وادخرت الاموال حتي توفر معها ثمن منزلنا فاشترته ثم ادخرت مرة اخري واشترت عدة منازل ورغم ذلك لم تترك غرفتها أو حتي الحي كي لا تتوقف المساعدات المالية التي تأتيها كنت اتعجب عفة أمي ورفضها التام للأموال والحقائب التي تمتلئ بالمواد الغذائية فقد ننام جوعى ولا تمد يديها أبدا كنت اغتاظ من أمي فنحن بحاجة لها، وراتبها لا يكفي ولكن ما باليد حيلة ولكن رغم اعتيادي لتلك الظلمة إلا إن تلك الليلة مختلفة فكانت أمي ترقد سريرنا في وهن ويلتف حولها الجيران توصيهم بي وما أن انصرفت النسوة حتي استوقفت أمي جارتنا عبير.
الأم بوهن : استني يا أم شهد عاوزاكي في كلمتين.
عبير بتعجب : إيه ياحبيبتي.
الأم بدموع : البنت البنت لازم ترجع لأهلها اللي كان منعها عنهم وجودي وأنا خلاص أهو قربت أسلم الأمانة.
عبير بقلق : ربنا يديكي الصحة وتعيشي وتربيها ولا تتحرمش منك ابدا
الأم بصوت مختنق : دي أمانة في رقبتك ترديها لأبوها العنوان وأوراقها كلها في الظرف اللي موجود تحت المرتبة أول حاجه تعمليها ترجعيها لأبوها.
لم أكن صغيرة فكنت في صفي الثاني الإعدادي، فلم يكن عسير على أن أعي أن أمي تقصدني، ولكن أب أي أب ألم يمت قبل مولدي السنا فرع بلا جدر كيف أصبح لي أهل من أكون وماذا تقصد فمسحت دمعي بكفوفي ونظرت إليها قائلة: توديني عند بابا وأهلي أهلي مين وازاي.

أعرفكم بنفسي أنا شمس ابنة ليل تلك المرأة التي هزمها المرض بعدما أهلكتها الدنيا والليالي فقد أنارتني بشحوبها ذبلت هي كي اتفتح أنا ولكن ها هي تود أن تتركني قبل ان يشتد عودي لأواجة أنا مصير مجهول.

بنت ليل "قيد التعديل"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن