عائلة مفككة 2

25 6 8
                                    

نائمٌ لما يستيقظ بعد، جلُّ ما يفكرُ فيه الآن: عائلتنا مفككة، أبٌ بلَّغ عن دولته أنَّ فيها فتى النبوءة، فتدمرت قريتهُ واستحيوا امرأته، وأخذوا ابنه، والآن ابنهُ يتدربُ بقسوةٍ لكي يقاتل خاله، ومن ثمَّ يقتلُ أحدهما الآخر، ما هذه العائلة الغريبة؟
سمُّ تلك الأفعى يضخُ في عقله الكثير من السلبية، الفشيلة، الإحباط، ليسَ بكاملِ اتزانه العقلي ولا النفسي، إنَّهُ مضطرب، لهذا هو لما يستيقظ بعد، أهو نائم؟ أم مغمًى عليه؟ لا أحد يدري، فقط رفقائه متحلقون حوله ينتظرون معرفة ما يجري له، فجسدهُ يتصببُ عرقاً في تلك الغرفةِ الباردة، ممددٌ على الأرضِ، يتلوى كأفعى، هراء! ما هذا الذي يحصلُ له؟ ما يزالُ يافعاً.

مرةً أخرى سمعوا معزوفةَ الطقطقة للحذاء الجلدي، ذلك الحذاء الذي لن يخطئوا في صوته، فهو الوحيد الذي يمشي بهذا الهدوء، عازفاً تلك المقطوعة الهادئة، يمشي بثباتٍ نحو الغرفة، دلف إياها، سألهم ببرود: ألم يستيقظ بعد؟

نظروا إليه، أومئوا "لا"، سألهم عن حالهِ فأخبروه ما يجري، أمرهم: ادلوا عليه ماء، سوفَ يستيقظ، لكن احرصوا على أن يكونَ بارداً.

فعلوا ما أُ/روا به، فهم يريدون أيقاظ صديقهم، قد هدأت حركته الآن، خفضت حرارته، استيقظ، فقد فتح عيناه ببطئٍ يحاولُ أن يستوعب ما يجري، رفقاءه حولهُ ينتظرون استيقاظه، قام من مكانه ببطء، سألهم: ماذا حدث؟ لماذا أنا هنا؟

أجابه جون: لقد قلقنا عليك منذ أن جلبك مارك إلى هنا، وهو من أخبرنا كيف نوقظك؟

تقدم مارك، رمقه بنظراته الباردة، ثمَّ قال له: أيُّها الفتى! لم نجلبك إلى هنا لكي تنام، لدينا ما نفعله.

ردَّ توم صارخاً: ألا ترى أنَّكَ تقسو عليه قليلاً؟ لما يأكل بعد!

أجابهُ مارك بحدّة: وما شأنكَ يا فتى؟

ردَّ عليه جون: إنَّهُ صديقنا، حريٌ بنا أن نهتم لأمره!

تنهد مارك، أشعل سيجارته، ارتشف منها رشفةً طويلة، نفثَ الدخان في الهواءِ ثمَّ قال: لا شأن لكم في ما نفعله، ثمَّ إنّهُ سيأكلُ لدينا، لن نطعمُ من فضلاتكم في النهاية، يحتاجُ لطعامٍ خاصٍّ بما أنَّهُ فتى النبوءة.

اقترح دريك مستنكراً: إن كنتم عالمين أنَّهُ فضلات، لماذا تجعلوننا نأكله؟

نفثَ مارك الدخان مجدداً ثمَّ أجابه: لأنكم لستم فتى النبوءة، حالما تثبتون أنفسكم سنجعلكم تأكلون طعاماً أفضل.

أنهى كلامهُ ورمى سيجارته على الأرض، أخذ الفتى من ياقته للخارج، جارّاً إياهُ حاثَّهُ على المشي، كان آرثر متعباً جداً لِأن يمشي، لكن ما العمل؟ عليهِ هذا، فقد وقع في قبضةِ الوحشِ الأكبر، الضابطُ مارك الذي يهابهُ الجميع، لا يوجدُ هناك من لا يستشعرُ هالته المرعبة، كلُّ من واجهه أُردي مقتولاً، لم يخسر في قتالٍ قط، لربما كان يبحثُ عن شخصٍ من شعب أورفال لهذا، لقد ملَّ من مواجهةِ الضعفاء، هو بحاجةٍ لمنافسٍ يرقى لمستواه، ولهذا هو الآن يُدرِّبُ آرثر.

فراغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن