هدوءٌ ما قبل العاصفة

5 2 0
                                    

- هل لك أن تموت بهدوء؟ رائحتك كريهة...
آرثر خائف، لا يشعرُ أنَّهُ بخيرٍ البتة، إنَّهُ يرتعش وفي ذاتِ الوقت، إنَّهُ يستشيطُ غضباً، كان هذا مناخاً ملائماً لاستفاقة الأفعى الممدودة على ظهره، استل سيفهُ آنذاك لكنَّ روكس منعه من التقدم وقال له بصوتٍ عميق: اغمد سيفك، سيكونُ نزال قادة.
صرخ آرثر: لكن... هذا ليس عدلاً أنتَ لستَ نداً له!
أجاب روكس: قد لا أكون نداً لك أيضاً لكن بصفتي قائدك فأنت من ضمنِ مسؤولياتي التي عليَّ حمايتها، قد تكونُ بيدقاً يا آرثر، لكنني ملكٌ عادل؛ لا أضحي بالناسِ وكأنَّهم نملٌ لأجلِ وطني! وهذهِ مرتي الأخيرة التي أحذرك بها... اهرب!
ابتعد آرثر مسافة لكن لم تكن بالكبير ة، يريد مراقبة ما سيحصل بينهما، وها هو ذا يستمع لحديثهما...
- مضى وقتٌ طويل يا صديقي العزيز. قالها نيكولاي مع ابتسامةٍ تشقُّ محياه.
- لستُ بصديقٍ للخونة. بحزمٍ قالها روكس مستلاً سيفه.
أجابَ نيكولاي بعد همهمةٍ استنكارية: لقد عرضتُ عليكَ المجيئ معي في كلِّ الأحوال، لم رفضتَ دعوتي؟
ردَّ روكس بحزم: لا أتعاونُ مع الخونةِ أيضاً.
أنهى روكس كلامهُ مهاجماً ذا الرأسِ الأبيضِ نيكولاي، كلاهما بنفسِ الرتبة لكنَّ نيكولاي أقوى وأشرس، ليس هذا فحسب بل أيضاً متلاعبٌ بالهواء، يعلمُ روكس تماماً أن لا فرصة له، لكنَّهُ أيضاً يعلمُ أنَّ آرثر ليس في حالة ذهنية تسمحُ لهُ بالمجازفةِ في هكذا قتال، استمر روكس بالتلويحِ بسيفهِ يمنى ويسرى، إلا أنَّ نيكولاي كان فقط يتفاداه، إلى أن أحسَّ روكس بثقلٍ غريبٍ يمنعهُ من تحريكِ سيفه، فقال لهُ نيكولاي ساخراً بعد قهقهةٍ خفيفة: ما هذا يبدو أنَّ الهواء يقفُ في صفي أيضاً.
أجاب روكس صارخاً بحنق: استل سيفكَ وقاتلني كالرجال!
همهم نيكولاي لبرهة، جلس يفكرُ قليلاً ثمَّ رد: حسناً.
ثوانٍ فقط تُرى فيها لمعةُ السيفِ حينما يخرج من غمده، كانت كفيلةً بقتلِ روكس، فقدِ استل نيكولاي سيفهُ بسرعةٍ مقولة وكأنَّ لا وزن له، وشقَّ صدر روكس من كتفهِ الأيمن إلى معدتهِ في اليسار، متسبباً بإطلاقِ نافورةِ دماءٍ كانت قد روت تراب هذا الوطن الذي يحميه.
كان آرثر مختبئاً في مكانٍ ما مشاهداً لكلِّ ما يجري، الآن هو غاضبٌ أكثر من السابق، لكنَّهُ لا يريدُ إهانة روكس والتدخلِ في قتالهِ فضلاً عن أن لا فرصة لديه، لذلك بقي مكانهُ متسمراً يشاهدُ بصمت، على الرغمِ من أنَّ أسنانهُ ستتكسر إنِ استمر بصكها بقوةٍ هكذا.
بعد برهةٍ استجمع روكس شتات نفسهِ ووقفَ مستنداً على سيفه، دماءُهُ تستمرُ بالتدفق؛ حتى لو نجا من هذا الوحشِ الذي أمامه هو يعي تماماً ألا فرصة لهُ بالعيش، لكنَّهُ قرر الاستمرار بهذا القتال وإن كان لا طائل منه، ليحمي بلده، وقبل هذا، لأن هؤلاءِ الجنود مسؤوليته، لا يمكنهُ تركهم يموتون دونَ فعلِ شيء، سيلاحقهُ الذنبُ إن فعل هذا.
سأل نيكولاي روكس بداعي سخرية: ألا تزالُ تفعلُ هذا مع علمك بأنَّكَ ستموت؟
أجابهُ روكس بصوتٍ متقطع: المهم أن... أؤدي واجبي، لا يهمُني إن... متُ هنا أم لا.
قال نيكولاي بسخط: أمثالك يثيرون اشمئزازي بالفعل، لا أفهم لماذا تصرُّ على هذا حقاً...
أجابهُ روكس: الإجابةُ بسيطة... كلُّ من هنا بقي زمناً طويلاً... لم يعد لدينا رغبةٌ بالعيش...
اختتم كلامهُ بابتسامةٍ مصطنعة، حمل سيفهُ ملوحاً به إلا أنَّهُ لم يستطع خدش نيكولاي حتى، تقرَّب منه فجأةً مستجمعاً ما تبقى لهُ من عزم، وضربهُ ضربةً في كتفه، ربما لما تجرحهُ بعمق لكنَّها في نفس الوقتِ قد جرحته.
تحسس نيكولاي مكان الدم، نظر لروكس ببرود، كانت نية القتل واضحة في عينيه، أخبره: حتى لو كان ما سأفعلهُ بذيئاً... إلا أنني لا أريدُ أن أخسر بعدما تعرضتُ للإهانة، أريدُ إنهاء هذا بسرعة.
هجم نيكولاي على روكس مجدداً صارخاً: أطلقوا!
لم يفهم روكس الأمر لكنَّهُ رأى مجموعة سهامٍ خلف ظهرِ نيكولاي كان قد أوقفها بقدرتهِ على التلاعبِ بالهواء، كان روكس متأهباً لصدِّ سيفِ نيكولاي لكن ما لم يتوقعه هو أنَّ نيكولاي قد قفز في الهواء، وبالتزامنِ مع قفزهِ عالياً ونظرِ روكس المنصبِّ عليه، أطلق نيكولاي تلك السهام بأقصى سرعتها لتخترق أحشائهُ جميعاً.
بعدما قتل نيكولاي روكس تصاعدت وتيرة الرائحة الكريهة التي يشتمها، رائحة الدمِ ونيّةُ القتل الواضحةِ له حتى وإن كان آرثر بعيداً، لكنَّ أنفَ نيكولاي لا يخطئ، تقدمَ سيراً نحوهُ ببطئ، رغم هلعِ ما تبقى من جنودِ الإمبراطورية وصراخهم وركضهم في الأرجاء، النيرانِ المندلعة، جنودُ الجمهوريةِ الذين يلّمون الغنائم، خيامٌ محترقة، ثكناتٌ مهدّمة، أنهارُ الدَّم، كلُّ هذا وكان نيكولاي يسيرُ غير آبهٍ لما يحصل، لقدِ اعتاد أن يرى هاتهِ المشاهد.
تقدَّم ذلك الضابطُ ببطء حتى وصل لآرثر، صاح بانزعاجٍ آنذاك: أخيراً وجدتُك، يا كريه الرائحة.
كان آرثر غاضباً بشدَّة لدرجةِ أنَّ دموعهُ تسيل، لم يكن يعرفُ لمَ يبكي، لكنَّهُ آنذاك اكتفى بالبكاء بسببِ عدمِ معرفتهِ بطبيعةِ ما يشعرُ به، لم يستطع تحديد مشاعره بالضبط، أهو غاضب أم حزين أم كلاهما.
فجأةً جاء أحدهم للضابطِ نيكولاي من جيشِ الجمهورية تمتم بشيءٍ ما هامساً له، قال نيكولاي: فهمت، سآتي الآن، فلتسبقني، ثمَّ نظر لآرثر وأخبره: يا كريه الرائحة، قائدُ الفيلقِ يريدني بأمرٍ مستعجل، يستحسنُ أن تصلي شكراً لأنَّك لم تمتِ الليلة.
أنهى كلامهُ وذهب طائراً بسرعة خارجاً من حدودِ الامبراطورية، تاركاً وراءهُ كتلةً من المشاعرِ الغيرِ مفهومة والصراخِ الداخليّ، "يا رجل ليتكَ قتلتني ولم تتركني أتخبطُ في بحرٍ من الندمِ والغم"، هذا ما كان يتمتمُ بهِ آرثر باكياً كلَّ الوقت.

-يتبع...

فراغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن