صقل

22 3 16
                                    

وهكذا بدأت تدريباتُ آرثر، أولَ يومٍ لهُ مع مارك جعلهُ يرى الويلَ منه، أخذهُ وجعلهُ يجلسُ بجانبِ حفرةٍ عميقة، وقال لهُ مارك آنذاك: هنا سيكونُ تدريبُ سرعةِ البديهة الخاصُّ بك... استغربَ آرثر، ثمَّ رأى مارك يخرجُ من جيبهِ كيساً مليئاً بحباتِ البازلاءِ الصغيرة، ورمى أحدها في الحفرة، نظرَ لأرثر نظرةً سوداوية ثمَّ سألَ بغضب: لماذا لم تمسكها؟

نظرَ آرثر لهُ باستغراب، لم يكن قدِ استوعبَ ما يجري بعد، تنهد مارك بعمق، ثمَّ انحنى نحو آرثر وأمسكَ برأسه وثبتهُ على الأرض، ورمى حبَّةً أخرى، قال له: مهمتك الإمساكُ بالحبة حين أرميها، عليك أن تدرب بصرك على الحركاتِ الخاطفة، ستفيدك في تدريباتك القادمة.

قلب آرثر عينيه، رمش عدة مرات، لا يزالُ غير مستوعبٍ لكلامِ مارك، فقالَ لهُ مارك معطياً إياهُ الكيس: خذ، ارمِ منهُ حبةً في الحفرة.

فعلَ آرثر ما أُمِرَ به، رمى حبَّةً في الحفرة، لكنَّ مارك بركلةٍ خاطفة أبعدها عنِ الحفرة، نظرَ لآرثر وقالَ له: في نهايةِ تدريباتك ستتمكنُ من فعلِ هذا، سيفيدك أيضاً في تفادي ضرباتِ السيف.

بقي الفتى والضابط يتدربانِ هذا التدريبَ "السخيف" كما أسماهُ آرثر حتى الغروب، تعبَ آرثر وأراد الذهاب، لكنَّ مارك دهسَ على يدهِ عندما همَّ بالقيام وسألهُ ببرود: إلى أين؟ لم نحقق تقدماً بعد!

أجابهُ آرثر بصراخٍ وأنينٍ مكتوم: أيُّها النذل هذا ليسَ تدريباً! أنتَ تعبثُ معي فحسب!

ركل مارك وجه آرثر بعدما رفعَ قدمهُ من على يده، مما أدى لسقوطِ آرثر أرضاً ثمَّ سأله: ألم ترَ ركلتي؟

حاولَ آرثر النهوض مجيباً: كلا...

ردَّ مارك ببروده القاتل: هذا مغزى تدريبك، طالما لمَّا تبلغنَّهُ بعد فلن يكونَ لإنهاءِ التدريبِ معنًى.

صاح آرثر في وجهِ مارك: التدريبُ برمّتهِ بلا معنى!

أجابَ مارك: حقاً؟ لقد تدربتُ ذاتهُ عندما كنتُ أصغر منك... هذا لا شيءَ بعد، لم تجرب تفادي ضرباتِ سيفٍ حقيقي ويداكَ وقدماكَ مربوطتان... لم ترَ شيئاً بعد، لكنَّكَ سترى عمَّا قريب.

ردَّ آرثر: لكنَّهُ الغروب...

قاطعهُ مارك: وماذا في ذلك؟ ستقاتلُ في الظلامِ أيضاً، عليكَ أن تعتادَ على فقدانِ حواسك، قد تفقدُ عيناً في معركةٍ ما، عليكَ التجهزُ لأيِّ شيء.

عاودَ آرثرُ الجلوسَ مكانه منتظراً مارك، فبدأ مارك برمي الحباتِ أسرعَ من الصابق، حاولَ آرثر حسابَ المدة التي ستسقطُ بها الحبات ليلتقطها لكنَّهُ فشل، عليه فقط تركيزُ بصرهِ ليعلمَ ما يفعله، لكنَّ إضاءةَ المكانِ لا تساعده، لهذا قرر الاستعانة بأفعاه لتقوي سمعه، يريدُ هزيمةَ مارك في هذا التدريب، عليهِ أن يتدربَ ويصقلَ نفسهُ ليستطيعَ قتلَ مارك وما بقي من أسلافه، ولهذا عليهِ تخطي هذا التدريبَ العفن!

فراغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن