تراكماتُ مارك

18 3 30
                                    

تقدم مارك باتجاه كروس الطريح، عيناهُ تتقدان شرراً، وأفعاهُ تبثُّ سمومها في أنحاء جسده، مارك ليس من النَّوعِ الحسّاسِ الذي يغضبُ بسرعة، لكنّّهُ ليس كذلك عندما يتعلق الأمرُ بالقتال، فهو مهووسٌ بالفوز، ولا يقبلُ بالخسارة التي قد يلحقها به من هم أضعفُ منه، ولهذا عليه الفوز، وإن لم يفعل فسيعترف بالهزيمة ولن يقاتل مجدداً، لأنّهُ سيكونُ متأكداً بأن العالم سيكون في أيادٍ أمينة من بعده.
عندما اقترب مارك دهس على معدته بقوة جعلت منهُ يتقيأُ دماً، إنَّهُ غاضبٌ بحق، آرثر لن يقف مكتوف اليدين بعد ذلك، لن يرضى برؤيةَ صديقه يصرخُ ويتعذبُ هكذا، خاصَّةً بعد أن صرخ باسمه "آرثر" طالباً نجدته.
غضب آرثر وفتحت أفعاهُ أعينها، تقدّم نحو مارك، إنّهُ لا ينوي خيراً هنا، أمسك بمارك محاوطاً عنقه يشدُّه يحاول إبعاده، إلا أنَّ مارك رمى بآرثر بعيداً، هذا مختلف، هذا ليس تدريباً عادياً، مارك ليس مستمتعاً، إنَّهُ غاضبٌ فحسب! أمرٌ ما ليس صائباً...
فجأة تراجع مارك وجثا على ركبتيه يصرخ، استغرب كلٌّ من آرثر و كروس ما به، ليس من عادته فعلُ هذا، بعد قليلً لا حظوا احمرار عينيه، ما هذا؟! هل مارك يبكي؟!
الأمرُ ليس صائباً الكلُّ خائف... لا أحدَ يدري ما خطبُ مارك، يبكي بحرقة ويصرخُ فزعاً ممسكاً برأسه، ليس من عادته أن يري جانبه الضعيف لأيِّ أحد، ولا من عادته أيضاً أن يكونَ ضعيفاً...
بعد برهة هدأ قليلاً ثمَّ سأل: آرثر... أتستطيعُ مساعدتي؟
ماضي مارك: قبل ٣ أشهر...
كنتُ أتجولُ بالرواق أتفقدُ أحوال الجندَ هناك... إلى أن ظهر أمامي كايدن، آهٍ كم أكرهُ هذا الشخص، لم أعره اهتماماً، تابعتُ طريقي متخطياً إيَّاهُ فناداني: إلى أينَ أنتَ ذاهب يا إله الحرب؟
ها هو يستفزني مجدداً، أجبتهُ ببرودي المعتاد: ليس لمكان، ربَّما أُقابلُ آيسل اليوم...
قاطعني ضاحكاً، همهم ثمَّ قال: مثير... أتدري؟ سمعتُ أنَّها حامل! مبارك ستصبحُ أباً أخيراً!
اتسعت عيناي من الصدمة، ركضتُ مسرعاً نحو غرفتي، كانت آيسل هناك جالسةً تبتسم على طرفِ السرير، سألتها: أحقاً أنتِ حبلى؟
اكتفت بالابتسامة... ثمَّ أومأت إيجاباً. قالت مبتسمة: أنا في شهري الثاني.
كنتُ أعلمُ أنَّها سعيدةٌ بحملها لكن أنا لا... خطتي هنا ستبوءُ بالفشل، جثوتُ على ركبتيَّ منهاراً، إلا أنَّها لم تتركني هكذا، أتت إليَّ محاوطةً إياي بذراعيها تضمُّني برفق. قالت: أعلمُ ما يجولُ في خاطرك... مارك أنا لستُ غبية، أنا عشيقتك! أفهمُ كلَّ ما تمرُّ بهَ من ضغط، عزيزي مارك أنا آسفة... لقد كان سوء تقديرٍ مني، لم أكن بارعةً في الحسابِ يوماً، إنَّهُ خطأي...
أجبتها بشيءٍ من الحزن: ليس كذلك... هذا خطأي أنني تماديتُ في علاقتنا وسمحتُ لمشاعري بالسيطرةِ عليَّ هي وغرائزي... لا تعتذري، أنا هو الآسف...
شدَّت عليَّ عناقها ثمَّ قالت: مارك حبيبي سأخبركَ أمراً... لكنني خائفة من ردِّ فعلك...
نظرتُ لها بشيءٍ من الخوف، قلتُ لها: تكلمي.
ردَّت: لن أُجهِض الطفل... أعني ليس لهُ علاقةٌ بما يحصل، ليس لهُ ذنبٌ بأخطائنا... ابتسمت ابتسامةً منكسرة ثمَّ تابعت: لكن لأنني أحبك فسأضحي بنفسي وبطفلي لأجلك... لن أموتَ وحدي، وسأحترمُ قراركَ أيَّاً كان.
تنهدتُ بحزن ثمَّ أجبتها: لا يمكنني قتلكِ آيسل، ليس لكِ ذنبٌ في هذا أنتِ أيضاً... قبَّلتُها على جبينها ثمَّ أكملت: ولأنني أحبكِ أيضاً!
تذكر مارك هذا في لحظاتِ غضبه، لم يعد قادراً على كبحِ نفسه، لقد ترك كلَّ شيءٍ يتراكم حتى انفجر، عاود النظر لآرثر مجدداً سأله: أيمكنك مساعدتي؟
تعجب آرثر مما قاله مارك تواً، لكنَّه يعلم أنَّ هناكَ أمراً ما لم يعد يتحمله، فليس من عادته البكاء ولا الصراخ ولا الشكوى، كما معروفٌ عنه تماماً، يكونُ بارداٌ حازماً قاسياً، وللاختصار ينادونه بإله الحرب.
ردَّ آرثر: سأساعدك... فيمَ بالضبط؟
سرد له مارك ما حدث بينه وبين آيسل، وبعد أنِ انتهى صرَّح له: لا يمكنني قتلها... سأشعرُ بالذنبِ يتآكلني ما حييتُ إن فعلت... لعلَّكَ تستطيعُ هذا أنت... حينها ربما سيخفف عني هذا الشعور بالذنب...
أجاب آرثر: لكنَّها زوجتك!
ردَّ مارك بحرقة: أعلم... لكن لا يمكنني السماحُ لهم باستغلالِ طفلي، وربما قد يستغلون آيسل أيضاً... تنهد ثمَّ تابع: سأذهب للغابة، آيسل هنا بيننا تسمعُ وترى... لا أريدُ رؤيتها تُقتلُ أمامي؛ سيفطرُ هذا قلبي...
قال آرثر: لا عليك... سأحرصُ على أن يكون موتها رحيماً، مع أنَّهُ من الصعبِ عليَّ قتلُ امرأة...
قال مارك راجياً آرثر: لا تجعلها تتألم...
وبعد ذلك ذهب مارك خارج الثكنة، دلفت آيسل حديقة التدريب، تعجبت من المكانِ فقد كان مليئاً بالأشجارِ الخضراءِ الوارفة، حتى أنَّ العشب رطب، تقدمت بخطًى ثابتة تضعُ يدها على بطنها، وقفت قبالة آرثر وكأنَّها تعرفت عليه، سألتهُ بداعٍ من التأكد مبتسمة: أنتَ آرثر صحيح؟
تلبكَ آرثر؛ لم يكلِّم امرأةً من قبل، خاصة أنَّها جميلة، ردَّ عليها: أ... أجل! أنا آرثر! سعدتُ بلقائك!
قهقهت آيسل بخفة، بدأت تتصفحُ المكان بعينيها، إلى أن وقع نظرها على كروس المطروحِ أرضاً، شهقت وهرعت إليه، جلست على الأرضِ تُعاينُ جسده، قالت بحزم: لقد تلقى إصاباتٍ بليغة!
فزع آرثر لأجلِ كروس، لكنَّ آيسل وضعت يدها ذاتِ وشمِ الزهرة المغلقة على جسده، وبدأت تتمتم: إلهي يا صاحب الجلالِ والقوة، يا من أمنتني على وضعِ قوَّتكَ فيَّ، أرجوكَ ساعدني لأشفيَ جراحه.
فجأةً تفتحت بتلاتُ الوردة وملأت ظهر يدها، لقد كان أمراً محيراً ومفاجئاً لأرثر، وبينما هي تعالجُ جراح كروس قالت لآرثر: أنت مستغرب صحيح؟ لهذا يريدُ مارك قتلي؛ شعبي لا يلدُ إلا إناثاً ولدينا وشمُ الشفاء، عشيرتي تدعى باسمِ "آيبرن" لا يريدُ مارك للحكومة الاستفادة من قوتنا، لا أعلمُ إن كنتُ حاملاً بولدٍ يحملُ وشم مارك أم فتاةً تحملُ خلصتي، لكن أياً كان فلا يجبُ عليهمُ الحصولُ على تلك القوة... لذا... تبسَّمت ناظرةً لآرثر: عندما أنتهي من علاجِ صديقكَ فلتقتلني وتدفني هنا!

يتبع...

فراغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن