العاصفة

8 2 0
                                    

رحل الجنود تاركين ورائهم أكوام الجثثِ المُعتَّقةِ برائحةِ الدم، تاركينَ ورائهم دخاناً لا يزالُ ينبعثُ من الجمر، أولاءِ الجنودُ وحوش؛ لم يتركوا شيئاً على حاله، وفوق هذا رحلوا بدمٍ باردٍ غيرِ آبهين بما فعلوا.
آرثر في تلك الأثناء ركض بسرعة إلى الثكنة، يحاولُ البحثَ عن رفاقِهِ الذين طيَّرهمُ الانفجار، وأثناءَ بحثِهِ وجدَ النِصفَ الأولَ لجسدِ كروس، فجثا على ركبتيه باكياً، كان كروس غائباً عن الوعي لمَّا يلفظ أنفاسهُ الأخيرةَ بعد ... هطولاتُ دموعِ آرثر جعلتهُ يفيقُ للمرةِ الأخيرةِ في حياته، ينظرُ لهُ وهو يبكي، ثمَّ يضعُ يدهُ المتسخة على وجنتِهِ فيمسحُ دمعه، لطالما كان آرثر كالطفلِ في حينِ أن كروس بالنسبةِ لهُ كالأب، ربما بسببِ فارقِ السنِّ بينهما، فكروس في الحقيقة يكبرُ آرثر بعامين.
في تلك الأثناءِ أيضاً، نطق كروس للمرةِ الأخيرة يواسي آرثر: يا صاحبي لا تبكي فدموعكَ غالية، يا صاحبي أنا هنا هذا قدري من الدنيا الفانية، يا صاحبي لن أعيش أطول مما كُتِبَ لي ولو ثانية.
بعد برهةٍ كان كروس قد لفظَ أنفاسهُ الأخيرة، ركض آرثر يبحثُ عن باقي الموجودين، لكن عندما هدأتِ النار اكتشف أنهمُ الآن بقوا جثثاً متفحمة، ركض إلى حيثُ الضابطُ روكس الذي كان غارقاً في بركةِ دمه، لا يمكنُهُ فعلُ شيء، لقدِ اخترقتِ السهامُ أحشاءه ببشاعة، ربما يكونُ قد مات هو الآخر.
حينها وفي خضامِ بكاءِ آرثر، شعر بيدٍ باردة قد أمسكت بيده، كانت يد الضابطِ روكس، تلفت له وقال بصعوبة: اسمعني... اقتل كل شعبِ الوشوم، لم يجلبوا لنا سوى الأسى، اقتلهم... اثأر لنفسك قبل أن تثأر لنا، انتقم لنفسك ولسنواتِ استغلالك وعبوديتك، اذهب فأنتَ حر، لكن إن لم ترد أن يتعرض آخرون لمثلِ ما تعرضتَ له، أبدهم عن بكرة أبيهم.
أنهى كلامه ولفظ أنفاسهُ هو الآخر، حينها عقد آرثر العزم على شيءٍ واحد، دام هذهِ الدولة قد اهتاج أمرها فسيتركها ويبحثُ عن غريمه، سيقتلُ من كان السبب في صنعُ هذهِ المعاناة.
أخذ آرثر سيفينِ معه، واستطاع أخذ خنجرينِ وضعهما في كُميه، هذا م استطاع حملهُ آنذاك، أخذ أيضاً مياهاً يستسقي بها نفسهُ في الطريق، وقبل أن يرحل خلع سترته العسكرية وألقاها على وجهِ روكس مغطياً إياهُ بها، وانتشل من يدهِ اللوحة المعدنية المحفورَ عليها اسمه، ورماها بجانبِ الضابطِ روكس أيضاً وبعدها مضى في طريقه.
وبعد برهةٍ من رحيله قدِمَ قائدُ الفيلق العقيدُ كايدن معهُ بضعٌ من رجاله، استغرب المنظر الذي رءاه، الدماءُ في كلِّ مكان، الجمرُ لا يزالُ مشتعلاً لمَّا ينطفئ بعد، الفيلق بأكملهِ تقريباً قد قضى نحبه، بحقِّ السماءِ ما الذي قد جرى هناّ
صراخٌ في قاعة الاجتماعات بذلك الصوتِ العميقِ يدوي: ما معنى هذا يا كايدن؟ مهمةُ فيلقك الدفاعُ عن الحدود لكنَّ أغلبَ من في الفيلقِ مات؟! ليس هذا فحسب بل حتى صاحبُ وشمِ الأفعى قد هرب والآن لا نملكُ قوةً عسكرية تغطي مكان مارك! ألديكَ أيُّ تفسيرٍ لما قد حدث؟
تدخل آريس ببروده قائلاً: سيدي لا تلم آرثر فهو خائنٌ بطبعه، هو من قتل خالهُ مارك، ماذا تبغي من فيلقٍ مليءٍ بالخونة على أيةِ حال؟
انتفضَ كايدن ووقف متسمراً في مكانه، لا يدري ما ذا حدثَ حتى انقلب الجميعُ بمن فيهم آريس ضده، لم يكن يملكُ أيَّ شيءٍ ليقوله، بعدها تنهد آركون وقال لمساعده: اطلب لي موعداً مع وزير الدفاع، لي شأنٌ يقتضي في إعفاءِ كايدن.
وعندما حل ظهر اليومِ التالي كان آرثر يصارعُ الشمسَ الحارقة التي أذابت دماغهُ في طريقه، صرخَ منزعجاً: آهٍ اللعنة، لماذا في الإمبراطوريةِ الجوُّ باردٌ ورقيق بينما هنا الشمسُ تسطعُ رفقة ذريتها؟!
أجابهُ شخصٌ ما بمحاذاتهِ كان يركبُ دراجةً هوائية: يا فتى أنت تسيرُ وسطَ صحراءٍ عزِّ الظهر من الطبيعيِّ أن تشعر بالحرّ، بالإضافة لارتدائك كنزةً شتوية.
خلع آرثر كنزتهُ مما أبقاهُ بالقميصِ الأسودِ الذي يرتديه أسفلها، ذلك القميصُ كان ضيقاً إلى حدٍّ ما مبرزاً عضلاتِه، اقتطع من الأكمامِ شيئاً ليربط بهِ الخنجرينِ بمعصميه، والتفت للرجلِ الذي لم يتزحح من جانبهِ قيد أنملةٍ سائلاً إياه: لماذا ما زلتَ واقفاً هنا؟
أجابهُ بسؤال: لماذا تسألني؟
ردَّ آرثر متعجباً: أظنُّ أنَّ لديكَ عملاً ما.
أجابهُ الرجل: أرتاحُ قليلاً؛ أنا ساعٍ أوصلُ البريد وطريقي طويل...
التفتَ آرثر ونظر لهُ متعجباً ثمَّ سأله، أترتاحُ تحتَ الشمس؟
أجابهُ الرجل: ألا ترى المنشفة المبلولة فوق رأسي التي أضعها لتقيني حرَّ الشمس؟
نظر لهُ آرثر بعينانِ بريئتان وسأله: أتستطيعُ إيصالي؟
سألهُ الرجل: لأين؟
أجابهُ آرثر بثقة: للجمهورية!
ردَّ الرجل: محال!
سألهُ آرثر ببراءةٍ وطفولة: لماذا؟
أجابهُ الرجل: لا أتعاونُ مع الخونة.
سألهُ آرثر: أتعرفُ من قد يستطيعُ أخذي؟
تنهد الرجلُ ملتفتاً يمنى ويسرى ثمَّ قال له: اتبعني...
تبعهُ قليلاً حتى وصلا مكاناً ما يملؤهُ الناسُ والمحلاتُ التجارية، ثم قال لهُ الرجل:مرحباً بك في السوقِ الكبير.

يتبع...

فراغحيث تعيش القصص. اكتشف الآن