-أتعلمين يا آيسل، ابتسامتكِ الدافئة هي ما يصنعُ يومي، عيناكِ العسليتانِ أيضاً يعكسانِ دفئ روحك، عيناكِ تعكسانِ كم أنَّكِ نقيةٌ وحنونة، وشيئاً بعد، لقد أحببتُ شعركِ أيضاً، لا تقصيهِ أبداً، إنَّهُ يناسبكِ.
تذكرت آيسل كلماتِ مارك لها وهي تتحسسُ شعرها الذي قطعهُ سيفُ آرثر، خانتها دموعها التي هطلت كسيلٍ من أعلى جبل، بكت وهي تتذكرُ أجمل لحظاتها مع مارك، عندما رءاها آرثر هكذا صرخ بها بأسى: أترين؟! أنتِ تبتغين العيش، لا زلتِ متمسكةً بالحياة، لماذا قد تبذلين كل هذا الجهدِ من القتال والتضحية إن لم تكوني كذلك؟!
نظرت لهُ آيسل بصدمة مستمرةً بالبكاءِ دون وعي، تستمعُ لهُ بتركيز وكأنّهُ قد طال ما في أعماقها من كلامٍ ومشاعر، وضع يدهُ آرثر على جرحه واستند عللى سيفهِ ليقفَ بصعوبةٍ ويتابع: طالما أنتِ تبكين هكذا أليس هذا دليلاً على أنَّكِ تحبين مارك ولا تودين فراقه؟ ألستِ تودين وضع ابنكما بين ذراعيهِ ومشاهدةِ ردةِ فعله؟ ألستِ بهذا تريدين العيش؟
نظرت آيسل إلى بطنها تتحسسه، ثمَّ قالت ببحةٍ وهي تبكي بحرقة: أجل... أنا... أريدُ العيش!
أجابها آرثر بعد أنِ ارتسمت ابتسامةٌ على محياه: أعلم، لقد اكتشفنا أنا ورفاقي بضع مخارج لهذا الجحيم، إن كنتِ ـريدين يمكنني تهريبكما أنتِ ومارك، لتعيشا حياتكما الطبيعية في مكانٍ بعيدٍ عن هنا، صدقيني! خلقما لم يكن عبثاً، ووجودكما ليس بخطيئة، ومقدرٌ لكما العيشُ سوياً، وأخيراً فإنَّ الحياةَ من حقكما.
ابتسمت آيسل بسببِ كلام آرثر وبدأت تتخيلُ مستقبلها رفقة مارك، وتتساءلُ في خيالها ما يا ترى قد يكونُ جنسُ مولودهما، لكنَّ الفرحة هنا لن تتم، هناك من هو واعٍ لكلِّ كلمةٍ قد قيلت وينتظرُ الفرصة المناسبة، إنَّهُ كروس، الذي انتظرهما حتى ينتهيا من حوارهما، ليققفز من مكانهِ رغم أنَّهُ متوعكٌ بسببِ العلاج، رفع سيفهُ وطعن آيسل في قلبها مباشرة، قالت هنا آيسل بابتسامةٍ لم تفارق محياها: أحانت نهايتي؟ سحقاً... لم أكن قد استمتعتُ بعد.
لم تستطع حبس دموعها ما إن خرجت روحها من سجنها، بصقت دماً على الأرضِ وانهارت ما إن أخرج كروس سيفهُ منها، نظرت آيسل لآرثر مواصلةً الابتسام، آرثر الذي قد صدم مما رءاه أمامه، لقد كان يودُّ المساعدة، لقد علمت هذا آيسل، لهذا قالت له بصوتها المبحوح: عملٌ جيد... احمِ جون... رجا...ءً!
كانت تلك آخرُ كلماتها، والتي من بعدها انهار آرثر باكياً على الأرض مما أدى لفتحِ جُرحهِ هو الآخر، فأصبح يذرفُ الدموع وينزفُ الدم، لقد انهارت أعصابهُ من هولِ ما رأى أمامهُ للتو، قام وهو يصيحُ ويبكي، أمسك سيفهُ من جديد، دماؤهُ تتصببُ منه، يلوحُ بسيفهِ كثملٍ أرهقهُ الشرب، عندما استوعب قليلاً مما قد حدث هجم على كروس يقاتلهُ بضراوة، يكافح لكن لمن؟ أتراهُ ينتقم؟ أم أنَّهُ غاضبٌ وحزينٌ فقط لإزهاقِ حياةِ شخصٍ قد ظُلم في تلك الحياةِ البائسة؟ هو نفسهُ لا يدري، يبصقُ الدمَ من فمه، سيموتُ إن واظبَ هكذا، كروس يحاولُ صده لكن تباً عندما يهتاج يصبحُ قوياً فعلاً، فجأةً انهار آرثر باكياً في الأرضِ مجدداً، صرخ بأعلى صوته: لماذا هذا؟ لماذا حدثَ كلُّ هذا؟ لماذا الظالمُ يبقى حراً بينما يموتُ المظلوم؟ لماذا نحنُ في هذا الجحيمِ المشؤوم؟ لماذا نعيشُ حياتنا هكذا وكأننا نتعاطى السموم؟ وغيرنا من أعلى طبقةً يسكنون فوق الغيوم؟ هل هذا اختبارٌ ما؟ أم هو قدر؟ وفي الحالتينِ لماذا البريءُ هو فقطِ المهموم؟ أما الغنيُّ فلا يزجر! أهذهِ هي الرحمةُ والعدلُ في الكون؟ أم أننا أخطأنا بحقِّ أحدِ البشر؟ ولهذا ننالُ عقابنا المسنون، مسنونٍ بالأسى على هيئةِ شفر.
أنت تقرأ
فراغ
Mystery / Thrillerفي زمنٍ ما كانتِ الحروبُ تُقامُ في كلِّ أوان، وذريعتها نشر الدينِ الجديدِ بين البلدان، لكنَّ هناك سبباً آخر مخفياً بين السطور، فهل سينالون مرادهم أم سنراهم في القبور؟ بطل القصةِ يحملُ سراً لا يعيه، فهل هو ضالتهم أم لديه ما يبحثون عنه؟ تنويه: قد تحتو...