التفت كروس برأسهِ ناظراً بطرفِ عينهِ إلى آرثر ثمَّ قال: أليس كذلك يا آرثر؟
أجابهُ آرثر: بالتأكيد، لنبيدنَّهم أجمعين.
في اليومِ التالي قرر كروس الذهابَ مع آرثر في أولى أيامِ تدريباته، قبل مارك بهذا ظانَّاً بأنَّهُ سيستفزُ مشاعر آرثر بتعذيبهِ لصديقه، فهو يريدُ لآرثر الاعتياد على قوته تلك ومعرفةِ أبعادها، ذهبوا جميعاً إلى الحديقة الموجودة في ساحةِ المبنى، كانت أشبه بغابةٍ على أن تكون حديقة، مليئةٌ بالأشجارِ الكثيفةِ العالية، انبهر كلٌّ من آرثر وكروس، واستغربوا وجود الأشجارِ في ظلِّ أنَّهم سيتدربون على الاقتتالِ فيما بينهم، فقاطعَ مارك حبل أفكارهم مجيباً على تساؤلاتهم: ستدربون بين الشجرِ لتنموا حواسكم بالإضافةِ لقدراتكم على القتال، هذهِ المرة سأبقي على أعينكم وآذانكم، للأمامِ لن تستعملاهما في تدريباتكما البتة، ستعتمدانِ على شعوركما بالهواءِ من حولكما.
التفت آرثر لمارك وسأله ببلاهة: أنتَ تمزح... أليس كذلك؟!
أجابهُ مارك بثقة: كلا.
قال لهُ كروس مطبطباً على كتفه: لا بأس يا صاح، سنعتادُ على الأمر، علينا تقبلهُ أولاً لنفعل.
قال مارك لآرثر: ليتك تفكرُ كصاحبك، لوفرت عليَّ الكثير آنذاك.
وقفوا جميعاً في منتصفِ تلك الغابة، سيختبرون هناكَ سرعتهم وسرعة بديهتهم ليعرفوا كيف يتحركون ضمنها، قال لهم مارك: سأسمحُ لكم بالهجومِ عليَّ في البداية، لكن لا تتوقعوا أن أرأفَ بكما.
كان آرثر غاضباً قليلاً من معاملةِ مارك لهما، فقرر المراقبة من مكانه، فهو لا يريد التسرع في هذا، أمَّا كروس كان يأخذُ الأمر على محملِ الجد، ويتوق لمهاجمة الضابطِ مارك، فهو من حرق مزرعة عائلتهِ الثمينة التي فلحها بيديه منذ نعومةِ أظفاره، لا يزالُ يتذكرُ نبتة الطماطمِ التي زرعها في عامهِ الرابع، وكيف أضحت رماداً بعد مجيئ الامبراطورية، لقد حزَّ الأمرُ في نفسه، وأكثرُ ما آلمهُ وحشيتهم في قتلِ عائلته، لهذا كان يريدُ بشدةٍ لقاءه، فهو يبتغي تفريغ غضبهِ على من آذى قلبه وتركَ دماغهُ جريحاً تنهشهُ الذكريات.
اندفعَ كروس بغضبٍ نحو مارك، قفز نحوه يبتغي دقَ عنقِ الضابطِ بساقه، إلا أنَّ خطتهُ لم تنجح، فمارك نبيهٌ حتى يقع في تلك مصيدة، أمسكَ بكروس من ساقهِ قبل أن تلامس الهواء المحيطَ به، ورماهُ بعيداً حتى ارتطم بإحدى الأشجارِ محطماً إياها، صرخَ كروس من الألمِ باكياً، فتلك ضربةٌ كفيلةٌ بأن تكسر لهُ ضلعينِ أو ثلاثة.
صاح مارك بتململ: ما هذا، أهذا مستواكما؟ لن تمتعانني بهذا المستوى، لا زلتما غرين ضعيفين.
صكَّ آرثر على أسنانه، دعى الأفعى بأن تعيره قوتها، اشتعلت عينيه واتقدتا شراراً، تقدّمَ إلى مارك راكضاً يزمجرُ من غضبه، فهو الآن يشتعلُ قلبهُ ناراً وألماً على حالِ صديقه، فهو ليس بحالهِ منيعاً بقوةٍ إلهيةٍ موروثة، أيّ أنَّهُ علم أنَّ مارك يبتغي استفزازهُ فقط، وها هو الآن قد جُرَّ إلى فخهِ ككلبٍ وجدَ عظمة!
أنت تقرأ
فراغ
Mystery / Thrillerفي زمنٍ ما كانتِ الحروبُ تُقامُ في كلِّ أوان، وذريعتها نشر الدينِ الجديدِ بين البلدان، لكنَّ هناك سبباً آخر مخفياً بين السطور، فهل سينالون مرادهم أم سنراهم في القبور؟ بطل القصةِ يحملُ سراً لا يعيه، فهل هو ضالتهم أم لديه ما يبحثون عنه؟ تنويه: قد تحتو...