الفصل السادس عشر: إيلين

118 43 96
                                    

لو إجتمع العالم بأكمله ليؤذيك فلن يمسك شيء طالما أنه غير مقدر لك، لو رميت بنفسك وسط النيران المتقدة فلن تحرقك طالما أن أجلك لم يحن بعد.

فتحت عينيا أتدارك المعجزة التي حصلت معي الآن، كل مرة يكتب لي الموت فيها أنجو بأعجوبة، ألم فظيع يسري في أطرافي وخدوش تنتشر في شتى أنحاء جسدي، كنت معلقة وسط أغصان الأشجار أتمرجح جيأتا وذهابا، بقيت مدة من الزمن أطالع تلك الأجنحة التي ظهرت مني فجأة ، حاولت تخليص نفسي لكن دون جدوى تشابكت الأغصان وأعاقت حركتي، صرخت عاليا:

"كل هذا بسبب أركان اللعين سترى.... سوف أخلص نفسي وأعثر عليك وأريك الجحيم بأم عينيه......."

طال الزمان وإستنزفت معه كل طاقتي المدخرة تسلل اليأس لفؤادي فسكنت حركتي وأسبلت جفوني مستسلمة،كنت كالحلم أسعى تحت جنح الليل. فجأة أحسست بطيف مر علي مثل نسمة هواء باردة تزامن مع هذا الشعور سقوطي فجأة دون سابق إنذار ولاأعلم كيف تخلصت من تلك الأغصان المتشابكة، كنت أصطدم بجذوع الأشجار يرتطم جسدي بعنف حاولت أن أحلق بجناحاي لكن لم يحالفني الحظ لتحتضنني الأرض بكل قسوة أطلقت معها صرخة مدوية ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أفقد وعيي وأدخل في غيبوبة طويلة.

دعكت عينيا من النعاس الذي غشاهما، بصري كان مشوشا فلم ألمح إلا نارا متقدة أمامي يتطاير الشرر منها وأصوات طقطقة الحطب، عدلت من جلستي بصعوبة أشعر أن عظامي متهشمة كنت أردد:

"أين أنا؟ مالذي حدث؟...."
ظلام يخيم على المكان إلا من خيوط النار البرتقالية مضفية لمسة دفئ في الأجواء وسكون قاتل يحوم في الأرجاء ، إختفت الأجنحة من ظهري فتعجبت لأمرها كثيرا هل كنت في كابوس أم ماذا؟ نهضت مثقلة الجسد وكأنني أحمل عبأ الجبال على أكتافي ورحت أنادي:

"هل هناك أحد؟ من أحضرني إلى هنا؟......."

سمعت خرخشة تأتي من إحدى الأشجار وقفت متأهبة وحملت بعضا من الأحجار صوبتها نحو الهدف لكن فجأة صعقت وإجتاحني فزع مريع، أحدهم حجب عني البصر  واضعا كفه على عيني من الخلف ثم همس في أذني بصوته المريب:

" حانت نهايتك......"
كنت أنازع وأجاهد كي أخلص نفسي منه رغم أن صوته بدا لي مألوفا، ثم أفلتني لأستدير بخفة وعندما رأيته أخذت أتذمر وألعن فيه:
" أحمق هل ظننت أنك ستخيفني بفعلتك هذه، لماذا عدت؟... "

" فلتكوني شاكرة فلولاي لكنتي معلقة وسط أغصان الأشجار "
" وماشأنك بي لو تركتني لكان أفضل، لم أطلب مساعدتك على فكرة "
"أنت عنيدة لكنني سأكسر عنادك"

قالها وهو يداعب أرنبة أنفي ويطالعني بنظراته المثقلة بالغموض تنهدت بأسى  ثم تربعت أمام النار واضعة يدي على خدي سارحة في تأملها، قابلني أركان يحدق في وجه القمر ويقبض على الجمر بأصابع غير مرتعشة ثم أخذ يتحدث بعمق ومعنى :
" النار التي تتقد في قلبي أكثر من هذه التي أمامنا، إنها تذكرني بنفسي إنني مثلها آتي على الأخضر واليابس..... "

رواية إيلين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن