مثل المجنون أبحث هنا وهناك لعلني أعثر عليه، لكن ظني خاب عندما لم أجد سبيلا للوصول إليه لأجثو على ركبتي غارسا مخالبي في الطين، لم يدم ذلك طويلا إذ أن يدا إمتدت نحو ذقني ورفعت رأسي لأطالع تلك التي تقف أمامي بعيونها البراقة وبسمتها المشرقة مثل الشمس الدافئة، جثت على ركبتيها هي الأخرى وأحاطتني بذراعيها الناعمتين، لحظتها أحسست أن العالم ملكي.... شعور بالإحتواء يغلفني وهدوء يحط رحاله على نفسيتي، أسبلت جفوني براحة وبادلتها العناق الذي طال زمانه.
أبعدتني عنها قليلا وحطت بكفها على وجهي وكالعادة أخذت تتحدث بصوتها العالي:
" لاتقلق ياسيفاك أظن أن سالار يحتاج لأن يبقى بمفرده أن يعثر على نفسه ويعيد حساباته، أن ياململم جراحه ويبني أماله من جديد....... سيظهر أنا متأكدة صبرا فقط يانور عيناي "إبتسمت بتلقائية وأومأت برأسي إيجابا ثم إستطردت مكملة كلامها:
" لا أرغب برؤيتك حزينا وحفل زفافنا لم يتبقى له سوى أيام "
" حسنا يا إساف سأحاول لكنك تعلمين مدى خوفي على سالار، إنه أعز صديق وأفضل رفيق إنه أخي الذي لم تنجبه أمي...... "قبضت على شعري بأناملها الرقيقة لكن لاينبغي الإستخفاف بقوتهم،أخذت تجرني وهي تتذمر:
" بدأت أغار من سالار..... هل تحبه أكثر مني؟ هل يعنيك أكثر مما أعنيك أنا؟..... ها......؟ "
"توقفي يامشاكسة لكل شخص مكان في قلوبنا"زادت من قوة سحبها لشعري ومن حدة صوتها:
" لكنني أرغب بإحتلال قلبك لوحدي، لاأريد أن ينافسني أحد عليه.... هل تفهم ياسيفاك أم أكرر كلامي؟ "
" فهمت يا معلمتي هلا أطلقتي سراح شعري!.... "أفلتت يدها بعد سيل من الترجيات وكما هي العادة تستغل الفرص حتى تحصل على دلعي، هرع نحوي إحدى حراس مملكة الإرك واديول حاملا في جعبته خبرا:
" سيدي آسف على إزعاجك "
" هات ماعندك "
" سالار يطلب رؤيتك ويخبرك أنك ستجده في كوخ والدته "لطمت وجهي يالا غبائي كيف لم أخمن أنه يمكن أن يذهب لكوخ إيلين بحثت في كل مكان إلا ذلك المنزل المهجور، إستدرت لإساف بنبرة حازمة وجدية:
" نلتقي فيما بعد سأذهب لرؤيته وأنت عودي إلى منزلكم وإياك أن تمري على صديقاتك أو تذهبي لمكان آخر، أنا أعلم أنك تزورينهم خفية علي "أخذت تتذمر وتقلب في ملامح وجهها:
" مابالك ياسيفاك هل تريد دفني وأنا حية ومالمانع من أن أزور صديقاتي؟ "
داعبت أرنبة أنفها بسبابتي هامسا في أذنها:
" لأنني أغار من إخوة صديقاتك أخشى أن يراك أحدهم عندها سأفقع عينيه التي لمحاك "
إستمرت في الضحك واضعة يدها على كتفي:
" مارأيك أن أرافقك عند سالار ربما أخفف عنه قليلا وطأة الحزن؟ "
تجهمت ملامح وجهي وتطاير الشرر من مقلتي:
" خففي عني أنا فقط لاداعي لذلك، صديقي وسأخفف عنه لوحدي "
" حسنا.... حسنا أيها الغيور أراك غدا "كانت السماء تمطر وكأنها تبكي على موت أحدهم أو ربما تشارك حزن العشاق لفراقهم تواسيهم بقطرات الدموع التي تهطل على قلوبهم، بصوت وقع زخاتها على الأرض محدثة نغمة موسيقية تريح النفوس المكتئبة، يقولون أن المواهب تصل لذروتها عندما يكون المرء حزينا سيتحدث من الصميم وسيكتب من أعماق قلبه وهذا مايفعله سالار تحت سقف السماء العاصفة يمسك بآلته ويعزف بمهارة لدرجة أنني تناسيت أمره وسرحت في فلك مقطوعته إلى أن إنتهى منها لأندفع نحوه معانقا إياه بحرارة.
أنت تقرأ
رواية إيلين
Fantasíaالوّحدة حفرةٌ عميقة تسحبنا لأعماقها، وأنا لم أسلم مِن ظّلامها إلى أنْ سطعَ نورٌ خافتٌ وقادني للأعلى، حلقَ بي لسّماءِ الحريّة، آراني جمالَ العالمِ وأطلعني على أسرارهِ الخفيّة. تعلقَ قلبي بمنقذي وراحَ يرقصُ فرحًا على أنغامِ عزفه، لكن كلُ شيءٍ تغيرْ ع...