-50- حنين للحنان

449 38 343
                                    

...
شارلوت كانت مشدوهة بكل ما تحمله الكلمة من معنى برؤية أرض مجمع القطب تتحول -ولو مازالت قيد الإنشاء- لمدينة حقيقية باسم جديد.

"يوتوبيا إذاً..."
همهمت محركة رأسها نحو هيروزيوس الذي كان يقود مركبتهما خلال شوارع المدينة التي ارتصفت بأشجار يانعة.

آلات الحفر والبناء كانت على طول الطريق تهدر وترسل بعودامها الأبخرة إلى السماء.
"لا يوجد الكثير لرؤيته هنا لكن مركز المدينة تم إنهاؤه بالفعل ويقطنه حالياً حفنة من الناس، أغلبهم ينتمي لسكان المجمع الأصليين."
تحدث هيروزيوس عن الحال والأحوال لكن هي بالكاد كانت تستمع واستمرت بالتحديق بلون شعره الذي تحول لأحمر قاتم غريب بفعل الصباغ، كانت النية بأن يغدو أسوداً لكن لون خصلاته الطبيعي العنيد حال بينه وبين الوصول لذلك الهدف ومع ذلك بدا جذاباً بطريقة خاصة.

شعرت أنه من الخطأ أن تحب مظهره الفتي المتمرد المؤقت لكنها لم تستطع منع نفسها من الإعجاب به، خاصة مع تلك النظارة السوداء التي أخفت عيناه.

"شارلي؟"
أخفض ذقنه ونظر لها بعينه اليمنى من أعلى عدسة النظارة لتستعيد تركيزها مع كلامه فرمشت مرتين مجيبة:
"نعم؟"

"سنضطر للسير قليلاً فالساحة المركزية مخصصة للمشاة."
أجاب وهو يركن السيارة جانباً.

"بسرور!"
هتفت شارلوت بحماس إذ كانت تنتظر وصول الهدف منذ ساعات، دفعت الباب لتترجل لكن حين مد زوجها ذراعه أمامها وأجبرها على إغلاقه مجدداً عقدت حاجبيها مستفسرة:
"ما الخطب؟"

"ليس الآن بل عندما تبدأ ساعة السكينة إذ كما قلت وأسلفت للتو إن تجولنا معاً سنجلب انتباه مصاصي الدماء، قد أكون متنكراً للبشر وأنتِ غير معروفة عنهم لكن رعايانا سيشعرون بحضورنا."
برر بهدوء.

"ساعة السكينة؟"
تمتمت بعدم فهم فابتسم هيروزيوس قليلاً.
"لقد شرحت بالفعل الخطة، ألم تكوني تستمعين؟"
سألها.

"لا."
اعترفت بالذنب حين كان قريباً ولم تستطع الكذب، رائحة الفلفل الحاد تتغلغل أكثر في أنفها وحلقها حين مدد ذراعه فوق رأسها ليعيد وضع حزام الأمان حولها معاتباً:
"كيف لنا أن نعالج مشكلة شرودكِ المتكرر؟"

كان محقاً بأنها تشرد للغاية وتغرق بأفكارها لكن هذه المرة كانت تفاصيله ما أردتها صريعة. شعرت كمراهقة وهي تقع لمظهر السترة الجلدية على كتفيه والشعر المبعثر أعلى رأسه.
"لا أدري..."
صمتت وقررت كتم واقع أنه السبب هذه المرة وإبقائه لنفسها، خاصة حين أثارت فكرة تجوله بهذا المظهر حول الغرباء غيرتها.

لم يكونا في جولة رسمية من نوع ما وهذه هي المرة الأولى التي تتسكع معه خارجاً بلا اكتراث للمظهر أو للعيون التي تراهم، تشعر بإندفاع قوي يحثها على التحرك وعدم تضييع الوقت إذ تريد استرجاع أوقات تجولها معه دون قيود وحقيقة أنه بشخصه هنا معها الآن تجعل الأمر أكثر تشويقاً.
"ربما حماسي متقد أكثر من اللازم."

نيـوتروبيـاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن