-1- بداية السقوط

45.9K 1.4K 862
                                    

امتزجت أنسام الصباح الباكر الباردة مع أشعة الشمس الدافئة، فخلقت جواً بديعاً، لكن صرير البوابة الحديدية الخاصة بسطح البناء العتيق الكبير قطع هذا الهدوء.

بخطوات بطيئة، ظهرت فتاة شابة من خلف تلك البوابة، ترتدي معطفاً رمادياً صوفياً وبنطالاً من الجينز الداكن المهترئ.

حثت خطواتها نحو الحافة وقفزت فوق السياج الجداري المنخفض، ليظهر كل ما في الأسفل صغيراً للغاية من الطابق العاشر. جذبت يديها إلى خلف ظهرها ليتشابكا، وتنهدت قائلة: "كم من مرة رأيت هذا المنظر، ورغم ذلك لا أستطيع دفع حزني بعيداً."

سارت عيونها السوداء المتألقة في الأرجاء، والتي بدلاً من أن توصف بالمعمورة، يمكن وصفها بالمقفرة.
لم يتبقَ الكثير من الأبنية التي لا تزال قائمة، وما تبقى كان مدمراً، تتسلقه النباتات. الشوارع تشققت، ونمت بين طوبها أجمات عملاقة. السيارات محطمة، بعضها بدا وكأن وحشاً مهولاً قد خطا عليها.

وهذا ليس بعيداً عن الحقيقة، إذ إن فيروس "الروفوس" قد قتل العديد من الحيوانات وأبقى على البعض، أما الغالبية العظمى، وخاصة المفترسة منها، فتحولت إلى وحوش مرعبة تلاحق كل ما يتحرك.

رفعت رأسها للأعلى في محاولة لتذكر كم مضى من السنوات والأيام على هذه الحال. ثم أبعدت الوشاح الصوفي الأبيض عن فمها لتتنفس هواء الصباح بحرية، قبل أن تتمتم: "مر قرابة العقد بالفعل. الوقت يجري بسرعة، كما لو كانت مجرد رمشة عين."

اشتد العصف الهوائي، ليتحرر شعرها الأسود الحريري القصير من رباطه ويتطاير ليغطي وجهها.

خرج صوت غير راضٍ من فمها قبل أن تمد يديها للأعلى ثم تسحب شعرها ذي الخصلات المتفاوتة الطول مجددًا للخلف.

"يوتوبيا..." تمتمت وهي تنظر إلى السماء، مستلقية على الحافة ذاتها بصوت حالم.

"لا تخبريني أنكِ ستقفزين." صدح صوت من جهة البوابة الحديدية، ليتحرك رأسها ناحيته متأملةً صاحب الشعر الأشقر الذي كان يعقد حاجبيه بشدة.

"أهلاً جاي، لا أظن أن لك علاقة بما أفعل. اليوم استراحتي."

تنهد جاي على جوابها متمتماً: "قلت لكِ لا تناديني هكذا، كما أنكِ دائماً في استراحة، أيتها المنافقة."

قهقهت بمرح قبل أن تهبط نحوه وتسأله: "إذاً، ماذا وجدت؟ هل من جديد؟"

تنهد جاي مجدداً قبل أن يخرج هاتفه النقال ويسير نحوها محدقاً بشاشته.

"يبدو أن مصاصي الدماء يخططون للهجوم على مجمع النجم في الشمال الشرقي. أفترض أنكِ قد تخمنين السبب." ضيّق عينيه الزرقاوين بشك وهو يقول جملته الأخيرة.

نيوتروبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن