-32- بركة الملح

4.4K 413 469
                                    

....

"أرأيت البحر قبلاً؟"
سألت لونا بابتسامة لتزيح شارلوت كتاب الصور الذي أعطتها إياه الأولى مسبقاً وتهز برأسها نفياً قبل أن تعيد بصرها له وتجيب:
"سمعت به، لم يتسنى لي رؤيته. إنه كما أرى هنا بركة من المياه التي تنتهي عند غروب الشمس."

صدر لونا اهتز بضحكة فرت رغماً عنها من بين شفاهها جعلت شارلوت تنظر لها بحاجبين معقودين وتمزق الصورة التي كانت تشاهدها في الكتاب لتضعها نصب عيني محدثتها مردفة بعتاب:
"انظري! مياه وهناك في الأفق حتى الغروب ما الأمر المضحك؟"

"شارلوت، تعلمين أن الأرض كروية والشمس كرة من النار، بعيدة للغاية ولا يمكن الوصول لها، صحيح؟"
سألت لونا بحاجب مرفوع لتسحب شارلوت الصورة لنفسها ومن ثمة ترمي جسدها للكنبة قائلة بإحباط:
"بلى."

"إذاً البحر لا ينتهي عند الغروب إنما فقط واسع جداً لنرى نهايته بأعيننا."
شرحت لونا لتهز شارلوت رأسها محاولة الإستيعاب قبل أن ترمي الصورة أرضاً وتستلقي في مكانها معطية لونا ظهرها كالعادة ومن ثمة تهتف:
"ما الأمر الجليل بشأنه؟ أمياهه لذيذة؟"

"بل مالحة للغاية غالباً."
ما أن أجابت لونا حتى تذمرت شارلوت مجدداً بطقطقة لسانها وهز كتفها مع قولها:
"لست مهتمة."

قامت لونا بوضع إحدى ساقيها على الأخرى وارتاحت في مقعدها أكثر قبل أن تجيب باستمتاع كلمات شارلوت:
"لكنه مكان سحري."

"سحري؟"
رأس شارلوت ارتفع قليلاً عن الوسادة كأرنب خرج من جحره لكنها سرعان ما أعادته مجدداً مكانه هاتفة:
"إن كنتِ تسخرين مني فتوقفي رجاءً، هذا غير ممتع!"

"أنا أعني ما أقول."
تمتمت لونا وهي تضع قبضتها أسفل فكها قبل أن تنظر خارج الشرفة للسماء الزرقاء وتردف:
"البحر يتموه بلون السماء ليقنعكِ بأنه يمكن الطيران خلاله بحرية لكنه في الحقيقة سيبتلعك وسيحطم رئتيك ويقتلك."

"لا تتحدثي بالألغاز"

"ببساطة السماء هي المكان الذي يمنح أحلامنا الحرية لتكبر وتنمو، ما أن نطير خلالها سنشعر بأن كل شيء ممكن، سنصدق ما نريده لهذا نشعر بالنشوة عند الطيران أما البحر هو من سيجبرك على رؤية الحقيقة. ما أن يبدأ بإبتلاعكِ حتى تتفتح عيناكِ وتدركي كل ما حصل وماسيحصل في الحقيقة، مايمكنك فعله وما عليك فعله ولهذا نتألم عندما نغرق لأننا نواجه الحقائق."

"أنا أريد معرفة الحقائق ولا أريد أن أعيش في الوهم، أيجب أن أرمي نفسي هناك لأرى وأفهم كل شيء؟"
جسد شارلوت تحرك لتستقيم مجدداً ناظرة للونا بفضول وشغف كبيرين قبل أن تردف:
"لكن لا أريد الغرق والموت."

"لنعتدل إذاً، الأحلام ما تجعلنا أحياء والحقيقة ما نعيشها فالتقفي على الشاطئ، أسفل السماء ومن تحت قدميكِ المياه، عندها فقط ستشعرين بشعور عظيم يسمى السكينة"

نيوتروبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن