-43- خلف مخمل الستار

3.9K 332 709
                                    


قطرة ماء باردة وقعت من بين خصلاته الثلجية المبللة لتنزلق من على طول فكه وذقنه حتى عنقه ثم تتدحرج على سطح صدره العاري المفصل بتمهل وكأنها تمدح بنياه المثالي.

تجاهل إيدغار المياه التي قطرت على الأرضية مع كل خطوة تقدمها في المساحة المظلمة من ردهة قصره في الغابة ولم يُكلف نفسه عناء رفع المنشفة التي تموضعت على أحد كتفيه ليجفف بها شعره أبداً، لم يبدو الأمر ذو لزوم والكسل تمكن منه.

أنامله إلتقطت زجاجة شفافة حملت شراباً بلون الأحمر العنبي. خلع غطائدءها الفليني بأحد أنيابه ثم راح يسكب السائل داخل الكأس الزجاجية التي كانت وحيدة أعلى الطاولة الرخامية.

أصابعه حملت الكوب بخفة ليرتشفه دفعة واحد، لسانه تحرك على شفته السفلية التي رسمت ابتسامة متهكمة ما أن سمع صوتاً يعاتبه من خلفه.
"الإسراف بالشرب سيجعلك تصاب بالإدمان."
الشابة في إطار الباب نطقت.

"إن كنت سأدمن شيئاً فسيكون واحداً لا غير..."
عيناه الذهبيتان ارتفعتا نحو الشابة التي أنارت أضواء الثريا البيضاء فوق رؤوسهم وجعلت الغرفة الفارهة تتضح للناظر بما فيها من أثاث فاخر وأرائك مريحة.

"رؤية وجهكِ أنتِ يا أميرتي."
سكارليت ذات العيون الأرجوانية القاتمة والشعر الناري الداكن بدت كنسخة أنثوية عن والدها حين أعطته نظرة ضيقة وعاتبت بهدوء:
"أنا لا أمزح."

"ولا أنا."
هز بكتفيه.
"كلما عدت لمنزلي أتعثر بخيالكِ، فكيف لي ألا أعتادكِ حتى ذلك الحد الذي سيجعلني غير قادر على إنهاء يومي دون رؤيتك؟"
حين أعرض عنها وتناول زجاجته ليعيد ملأ كوبه تنهد فعلة سكارليت التي سحبت الكأس بعيداً من يده الأخرى بخفة قائلة:
"أنت لا تستمع لي إيدغار، لا تتجاهل تحذيري، قمت بشرب الكأس كما لو أنك ترتشف المياه."

"وأنا لن أشكر إهتمامكِ لأنني لا أريده يا نعمتكِ."
استدار نحوها بكسل.
"توقفي عن إدعاء المثالية أمامي، لا أحد يشاهد."
تقدم منها على مهل فتراجعت بحاجبين معقودين قائلة بنبرة خافتة:
"هذا ليس إدعاء."

"إن كنتِ مصرة..."
حين أمسك بمعصمها هي حاولت تحريره باستعمال يدها الحرة لكن الأمر انتهى بكلتا يديها مقيدتين أعلى رأسها بقبضة واحدة.
"أنتِ في منزلي الآن ولستِ حرة لإلقاء الأوامر كما تريدين..."

"...أيتها الصغيرة."
شفاهه إلتوّت بالكلمة التي كانت كافية لجعلها تخفض بصرها وتقول بخفوت:
"اعتذر عن التدخل بوقاحة."

"جيد، ومرة أخرى، أولم أخبركِ ألا تتسللي لمكاني الخاص؟"
قبضته أفرجت عن معصميها وجسده ابتعد عن خاصتها الضئيل حين شعر بها تتقلص أمامه.
"فعلت."
أجابت بحرج، نظراته الضيقة جعلتها تحس بالحرج.

"لما أنتِ هنا إذاً؟"
أعاد وضع الكأس لجانب القارورة على الطاولة وأنامله تلمست رأسه ليزيح ما وقع على وجهه من خصلات ثلجية مبللة جانباً.

نيوتروبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن