بالقرب من تلك القرية الريفية الخلابة، حيث تتفتح زهور حقول البنفسج الممتدة على مد البصر، كانت مجموعة من الأطفال يركضون بحماس، يجابهون نسيم أبريل العليل بضحكات صاخبة تتردد في الأرجاء.
اثنان، ثلاثة، بل خمسة. توقفت إحداهم فجأة، جاذبةً أنظار رفاقها نحوها بتساؤل.
كان شعرها الطويل الأسود يتمايل مع النسيم، وعيناها الحوراءان اللامعتان تحدقان بين الحشائش الطويلة بشرود.
"ما بكِ؟" هتف أحد الأطفال الأكبر سناً للصغيرة التي جفلت للحظة، ثم رفعت أناملها وأشارت بسبابتها نحو بقعة بعيدة بين الأجمات، وقالت بصوت خافت: "هناك شيء يتحرك."
ما إن أنهت كلامها حتى تزامنت جملتها مع صوت عواء قادم من الجهة نفسها، لكنها شعرت أن أحداً غيرها لم يسمعه، فهتفت قائلة: "أسمعتم؟ إنه ذئب!"
بدأ الآخرون يضحكون بصخب، ولوّح أكبرهم بيده قائلاً باستهزاء: "أجل، وربما أيضاً تنين!"
نفخت خديها غضباً واحمر وجهها، ثم استدارت نحوهم وهتفت: "أنا لا أكذب أو أتخيل، لقد سمعته!"
رد عليها آخر، هازّاً رأسه يمنة ويسرة: "ليس هناك حتى أرانب قرب قريتنا، فما بالك بالذئاب!" ثم رفع رأسه نحو السماء وأردف: "الشمس على وشك المغيب. سنوبَّخ إن تأخرنا أكثر."
لمع شفق الغروب في عيني الطفلة، مكسواً بلون أحمر، وهي تستدير بجسدها وتقول بصوت مرتفع: "وماذا عن الذئب؟ إن كان موجوداً فسيأكل خراف الخالة أليس!"
تقدمت إحدى الفتيات نحوها، ودفعتها بعنف حتى أسقطتها أرضاً، ثم صرخت في وجهها: "اصمتي! غريبة الأطوار! لا أعلم لماذا يبقيكِ أهل القرية بيننا. والدتك التي لا نعرف من أين جاءت توفيت بطاعون شعوذتها، ووالدك لم يظهر أبداً. أنتِ لا تجلبين سوى الشؤم، في هيئتك وكلامك."
"توقفي عن ذلك." همست طفلة أخرى ما إن رأت عيني الفتاة الجالسة على الأرض تفيض بالدموع، ليس رأفةً بها، بل خوفاً من العقاب، إذ حرص أهل القرية على مراعاة مشاعر الطفلة اليتيمة، مما أشعل الغيرة في قلوب أطفالهم ودفعهم لمعاملتها بقسوة.
"انسوا أمرها، لم تعد طفلة صغيرة وتستطيع العودة وحدها. هيا لنذهب!" قال أحد الفتيان بملل قبل أن يستدير ليبدأ بالعدو من جديد، ويلحقه الآخرون، تاركين دموع الفتاة تتساقط كنجم متساقط.
نهضت الفتاة ولحقت بهم مجدداً، فهي تدرك أنه لا خيار لها، ولا ملجأ سوى العجوز الوحيد في القرية. هو الذي اعتنى بها بعد وفاة والدتها منذ سنوات بالرغم صغر سنها آنذاك. عملت معه في حقوله، ولن تدع مجموعة من الأولاد الذين يؤمنون بالخرافات تثنيها عن دفع دينها الوفاء له.
غابت الشمس وحل الظلام، فقبضت على طرف ثوبها بتوتر، غارقة في محاولة ابتكار عذر للجد العجوز، الذي تتوقع أن تجده واقفاً عند باب كوخه، بملامح غاضبة، بانتظار عودتها. كانت قد قصّرت في بعض واجباتها اليوم؛ فالركض خلف الأطفال شغلها عن مهامها المعتادة. ما إن سمعت عن خططهم لزيارة النهر في الغابة المجاورة، حتى عقدت العزم على الانضمام إليهم ولو لوقت قصير، ذلك الوقت الذي امتد دون أن تدري، منذ أن لامست قدماها المياه الباردة.
أنت تقرأ
نيوتروبيا
Vampire"أعطني لأعطيك" هذه قصة الطفلة التي اتخذت من هذا القانون طريقها الوحيد للنجاة في عالمها المشوّه؛ هي تلك البائسة المريضة التي وافقت على إبرام اتفاق غامض مع مصاص دماء غريب، استجابة لرغبتها الفطرية في البقاء والعيش لأطول فترة ممكنة. ثنائية نيوتروبيا الك...