-25- الأول والأخير

4.4K 388 520
                                    


"لماذا لم تخبرني؟!"
هتفت شارلوت وهي تضرب الأرضية بقدمها ما أن دخلا المكتب في حين راح هيروزيوس يخلع معطفه ليرميه جانباً.
"عن ماذا؟"
سأل دون أن يلتفت نحوها مما جعل استياءها يتحول لغضب عارم.

"الفيروس! أنا لم أكن أعلم أن البشر من صنعوه وأنت تعلم أنني لا أفعل فلما لم تخبرني؟"
سألت وهي تطارده في الغرفة حيث توقف أمام المكتبة الجدارية يناظر عناوين الكتب والملفات المصفوفة بانتظام.
"لما قد أفعل إن لم تفيدك المعلومة؟"
سأل بهدوء.

"هذا سخيف!"
هتفت بصوت مبحوح فقام بصفع وجه الكتاب ضد مقدمة رأسها بلطف جاعلاً إياها تتنحى عن طريقه:
"أنتِ كنتِ فقط ستشغلين نفسكِ بالتفكير بمن هو المخطئ ومن هو المحق. ستحاولين حل معضلة أمر الفيروس وكأنها مشكلتكِ الخاصة."

اعتصرت شارلوت قبضتي يديها بقوة وهي تقول بشك:
"أولم تعلم أنت بأنك وبفعلتك هذه كنت تدفع بغضبي واستيائي على مصاصي الدماء فحسب؟"

"هل تظنين أنكِ كنتِ ستقدرين على القتل بسهولة دون تلك الأفكار والدوافع؟"
بدا وكأنه يوبخها.
"فكري قليلاً بتصرفاتكِ لوهلة. ألا تظنين أنكِ أصبحت عدائية اتجاه البشر فقط عندما علمتِ بما كان يحدث في ذلك السرداب."

عيناها إنخفضتا وبدا الأمر وكأن شعلة غضبها تحولت لاستياء من النفس حين قضمت شفاهها فتنهد هيروزيوس لرؤية حالها.
"لا تصنعي مثل هذا الوجه الكئيب. أنا من كان يتحكم بأغلب تصرفاتكِ في المقام الأول فلا تلومي نفسكٍ على أي أذى قد تسببت به."

"تتحكم بتصرفاتي؟"
تمتمت وراحت تقترب من مكتبه الخشبي المنحوت بدقة حيث كان قد ارتاح بالفعل لمقعده الفاخر.
"كل مرة أعطيك فيها دفعة لعضلاتك كنت أعطي فيها دفعة لعقلك أيضاً. حالتكٍ الجسدية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالنفسية، ربما لم تشعري بذلك لكن تقنياً أنا من كنت أقتل وليس أنتِ."

"لا تحاول تغيير ذلك!"
هتفت فجأة مقاطعة وحين ضربت قبضتها ضد الخشب القاسي رفع بصره نحو وجهها. نظرت لكفوفها التي راحت ترتعش لثوان ثم بسطت أناملها أمامه لتردف بعيون احتدت بلهب بارد:
"حتى لو كنت قد تلاعبت بي بحق، يداي هما اللتان قد تلوثتا."

"لذا...نحن في هذا معاً. لا تحاول إخراجي منه."
سبابتها ارتفعت في وجهه وكأنها تهدده لتردف بنبرة خفيضة:
"أنا لست شيئاً بلا إرادة."

"أنا لم أقل ذلك."
هيروزيوس رد سريعاً على كلماتها. تقطيبة حاجبيه جعلتها تسأل:
"إذاً لما تحاول إقناعي بأنه لا دخل لي؟"

تنهد ثم دلك ما بين حاجبيه مجيباً:
"لا أريدكِ أن تشعري بالسوء."

شارلوت شعرت بعقدة غريبة تنحل في قلبها. أحست بشيء من بالإنشراح لكن لم يتوجب عليه حمل وزر اتفاقهما كاملاً.
"توقف عن العبث ومحاولة تغيير أفكاري هيرو، ذلك سيشعرني بسوء أكبر وحسب."
تمتمت بخفوت. بقدر ما كانت شاكرة بقدر ما راحت تصبح ناكرة. هي لن ترمي كل شيء عليه.

نيوتروبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن