-51- الجوع أهون من النزع

252 23 318
                                    

...

"أنا أموت."
شارلوت ضربت الطاولة التي وقفت لاتشيا خلفها تقوم بتكديس زجاج المجهر الدقيق بحذر. رفعت الطبيبة حاجباً وغمغمت من خلف زجاج نظارتها السميكة:
"أحتاج المزيد من التفاصيل لكي أؤكد نظريتكِ هذه أو أنفيها يا جلالتكِ."

"لاتشيا أنا لا أمزح، أنا لم اذهب لمقابلة هيروزيوس حتى وأتيت لكِ مباشرة، ووحدي لأنني أريد أن أعلم بأنني لن أقتل زوجي على حين غرة."
غرست أناملها في خصلاتها وراحت تهرع غرفة المخبر المغلقة ذهاباً وإياباً.

"ودخلتِ غرفة التحليل الحساسة دون تعقيم، يبدو أنكِ مصابة بنوع من أنواع الإنهيار العصبي الذي يسمى بالذنب."
حاولت الطبيبة تجاهل ملكتها.
"اذهبي لجلالته أرجوكِ، لم تريه وجهكِ منذ شهور بالفعل، لم يعتد بعدك والمثل لكِ إذ أنكما تنتميان لبعضكما البعض، مكانك بقربه."

"ما خطب جسدي إذاً؟!"
جلست لكنبة في المكتب المجاور وهزت بساقها بتوتر تاركة لاتشيا لتعقد حاجبيها الرفيعين مستفسرة:
"أتعانين من ألم ما؟"

"أفعل، أنا عطشى على الدوام. أشعر وكأنني لا أرتوي، إن وجدت أنيابي طريقها لعنق أحدهم فلن تتركه حتى يصبح جثة هامدة."
الطبيبة الملكية لوت شفاهها وهي تعدل من عدسات مجهرها بابتسامة متهكمة.
"إذاً انصح بعدم الاقتراب كثيراً من جلالته لفترة والذهاب لجناحكِ لأجل الراحة وتغذية نفسكِ كما ينبغي."
علقت.

"أتعرفين ما هو خطبي؟"
شارلوت ضغطت بأصابعها على ذراع الكنبة بشدة ولاتشيا نظرت داخل المجهر مجدداً للحظات تتأكد فيها أن العينة القيّمة قد تلفت.
"خطبك ليس بالجليل..."
تركت الطبيبة مجهرها بإحباط واتجهت لمكتبها مردفة بعملية:
"أنتِ حامل يا جلالتكِ."

"حائل؟"
غمغمت شارلوت وكأن سمعها معطوب.

"حبلى."
نزعت لاتشيا النظارة الطبية بحدة وحركت بصرها نحو شارلوت التي تصنمت وتحولت لقطعة أثاث، فقدت ألوان الحياة من وجهها الذي غدا أبيضاً مزرقاً كخاصة الأموات وانقطعت أنفاسها.

"مبارك."
أضافت لاتشيا بتنهيدة ريثما أخذت أناملها تخط وريقة من الأوراق الذهبية التي تجمعت أعلى مكتبها. بدت مركزة في عملها وجادة بكلماتها أما شارلوت فهبت واقفة على ساقيها لتتلعثم بطريقة لم تشهدها الطبيبة منذ زمن:
"مهلاً ماذا؟ كيف؟ أنا لن... نحن لم..."

"لا داعي لإخباري بأي شيء قد تندمين على التفوه به."
لاتشيا غمست ريشتها في الحبر مرة جديدة.

"أنتِ طبيبتي... التي لم تقم بفحصي حتى."
غطت شارلوت وجهها بكفها متنهدة، شعرت بالدوار لفرط الحماس الذي أحست به يصفعها مراراً لتستيقظ، أرادت الظن بأن لاتشيا تسخر أو تمزح لكن معرفتها بطباع الأخيرة أكدت أنها لا تعبث.

نيـوتروبيـاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن