جحظت عينيه من إثر الصدمة فنزلت يده التي تحمل الهاتف بجانبه بانهزام وأخرج تنهيدة حارقة مطرقا رأسه يجاهد من أجل التماسك ولكن من أين التماسك؟ مر بذاكرته الكثير والكثير منذ أن كان صغيرا يعيش بين والديه يرى ويسمع كل ما مر به والده من رفض وكره ونبذ من زوجته وأم ولده، وبالرغم من ذلك لم يتركها لتذهب وحتى تلك اللحظة لم يعرف ما السبب وراء تمسكه بها، هل بسبب ما أخبره به قديما وما غذى به عقله أنه لم يتركها لأجله هو؟
دمعة وحيدة نزلت من حدقته اليسرى فمسحها وهو يتذكر حديث عمه الدائم له أن والده قد ضحى من أجله وعاش مع امرأة تنبذه وتكرهه، هل من المنطقي أن يعيش الإنسان حياته مع زوجة لا تريده ويعلم تمام العلم أنها تكرهه؟
ظلت ياسمين تنظر له بقلق بالغ وهي ترى ملامحه الواجمة فلفت ملاءة الفراش على جسدها العاري واقتربت منه تسأله:
-فارس، ايه اللي حصل؟
لم يجبها وظل يتنفس بحدة فاقتربت أكثر تنظر لوجهه وتحاول رسم الابتسامة عليه، ولكن قلقها وخوفها حال دون ذلك فمسكت راحته الحرة وقبلتها وهي تحدثه بحنين:
-حبيبي، مهما كان اللي حصل متفكرش فيه عشان خاطري.
أومأ لها وتحرك معها صوب الفراش وجلس على حافته وجلست هل بجواره تدلك كتفيه وعنقه وسألته:
-مشكله في الشغل؟
نفى وهو يرد:
-مش قادر أتكلم دلوقتي يا ياسمين، سبيني شويه لو سمحتي
وافقته دون مجادلة وهمت بالوقوف فسحبها وأجلسها على فخذيه ودفن نفسه بحضنها وهمس:
-خديني في حضنك، مش عايز حاجه من الدنيا غير تاخديني في حضنك وبس.
احتضنته بقوة وظلت تربت على ظهره فانحنى للوراء متسطحا بجسده وعاد للخلف قليلا حتى باتا على الفراش ووضع رأسه على صدرها وأغلق عينيه وهي تداعب شعره وهو يعتذر لها:
-معلش استحمليني، كنت ناوي أحكيلك بس مش قادر دلوقتي واول ما استوعب هقولك على كل حاجه.
أومأت له:
-لو مش عايز تحكي خالص فمش مهم، المهم صحتك وخد بالك من نفسك عشان خاطري وخاطر ولادك احنا محتاجينك.
بكى رغما عنه فمسحت براحتها على ظهره وظلت تدندن الألحان الهادئة وهي تداعب شعره حتى راح بسبات عميق.
استيقظ عندما توغل ضوء النهار بجناحهما فوجدها لا تزال فاردة ذراعها وهو نائم بحضنها فابتعد حتى لا يؤلمها، ولكنه وجدها مستيقظة وتبتسم له:
-صباح الخير يا حبيبي.
رد وهو يقبل وجنتها:
-صباح النور يا سلطانه، أول مره أنا اللي أنام في حضنك مش العكس.