ظلت تهاتفها طوال طريق العودة دون رد منها؛ فبدأ القلق يتسرب إلى قلبها ونظرت لوالدها بالمرآة تستمع له وهو يُحدث والده:
-أنا مش فاهم يا بابا أنت رفضت ليه نروح لفارس دلوقتي؟
أجابه الجد:
-مش عايزين نزودها عليه يا بني، لو متعصب وروحناله دلوقتي ممكن يغلط والمشكله تكبر بينا وأنا شوفت أنه مش في حالته الطبيعية، المهم دلوقتي زي ما نبهت على أحمد ميعرفش حد خالص أنت كمان اوعى تحكي حاجه وبالذات لهدى.
أوما وهو مركز بصره بالطريق فتكلمت نرمين أخيراً:
-موبايل ياسمين مقفول من ساعة ما نزلت وحاولت أرن على فارس بس لقيته مقفول هو كمان وبدأت أقلق
التفت السيد ينظر لها بحيرة وهو يتضرع لله:
-يارب يعديها على خير، أنا مش عارف الواد شادي ده ايه اللي جننه كده؟ وحكاية جوازه من أخت فارس إزاي عدت عيلنا كلنا بالشكل ده؟
زفر محمود بغضب:
-هو شادي كان ايه اللي وصله للي هو فيه إلا من عمايل فارس معاه يا بابا، مش معنى اننا سامحنا يبقى خلاص ننسى اللي عمله فينا كلنا.
حرك السيد رأسه رافضا حديث ابنه ووضح:
-يا حبيبي ربنا بيقبل التوبه والعبد مش هيقبلها! ما الراجل ربنا هداه وبقى بيصلي وبيعرف ربنا ومش شايف غير مراته وولاده، ولا هنفضل ماسكين له غلطته الأولى؟
عقب على حديث نفسه مؤكدا:
-لو كل واحد فينا غلط يا محمود يا بني وفضلت الناس تفكره بغلطه وتعلق له المشنقه كان زمانا كلنا يا ماشيين غلط يا موتنا نفسنا من احساس الذنب، مين فينا مغلطتش واتمنى غلطته تتمحى من عقلنا؟
امتعض وجه محمود وهو يتذمر على حديث والده:
-مش كلنا عملنا كوارث زيه، ولو كل واحد غلط وقال آسف تبقى خلصت يبقى ايه لازمة الثواب والعقاب بقى؟
ضحك السيد على سذاجة حديث ابنه وحاول توضيح وجهة نظر ذلك الكهل الذي عاش وعاصر الكثير والكثير من المشاكل:
-البني آدم مننا بيتحدد حجم غلطه باللي حواليه، لكن توبته دي بتاعة ربنا هو اللي يقبلها أو يرفضها واحنا لينا المظهر الخارجي، ممكن تلاقي واحد زي شادي اهو ابننا ومتربي وسطنا وراح لعب على بنت صغيره وضحك عليها وهو بنفسه اللي حكى المؤامرة اللي عملها مع عم فارس اللي مات ده، وفي نفس الوقت ده بنلاقي واحد زي فارس غلط بأنه اتجوز بنتنا بالعافيه ولما فهم غلطته صلحها وطلقها ومرجعهاش إلا لما هي اللي كانت عيزاه ومن وقت ما تاب وهو ماشي كويس وزي الالف.
ارتخى بجسده على مقعد السيارة وأكمل حديثه:
-هنقول غلطته كبيره ومينفعش تتنسى ولازم في كل موقف نفكره بيها! يبقى بنعمل ايه غير اننا نصبنا نفسنا قضاه ولا جلادين نحكم وننفذ الحكم على الناس، الراجل من ساعه ما رد ياسمين وهو شايل كل كبيرة وصغيرة فـ العيلة من أصغر مشكلة لحد مشكلة نرمين اللي لسه مخلصها من كام يوم، كل ده ميشفعلوش عندنا يا محمود؟