•••مَن تَكون؟ •••

68 7 4
                                    

بعد بِسم اللٰه الرّحمٰن الرّحيم

قامَت من مضجَعِها عابِسة، هذا ليس صوتَ مُنبِهِها، لا أذكُرُ أن قِطعة البِيانُو من سُلّم لا صغِير غير المُصنَّف رقم تِسعة و خمسين لِـبِتهوفِن تَحوي صفَّارة إنذار، و الأهم من ذَلك، لِمَ يرِنُّ السّاعَة الخامسَة و النّصف على أيّة حال؟ 
«إلـٰهي ما هذا ؟» صاحت مينها

ترُدّ هانَا بصوت خَشنٍ إِثرَ قِيامِها مِن نومِها بعد مينها بلَحظات بينَما تُغلِق المُنبّه، بل هو تِقنيًّا إنذَارُ حَرب!

«ماذا تَظُنّين؟ إنّه وقت الإستيقاظ»

لِتقومَ مِن مَكانِها بَعدَ أن رمت حُروفَها تلك، و كانَ من الواضِح أنَّها تَلعَن شيئًا ما، فنهَضت مينها بعدَها بدقائق لتستعِد
•إنّها السّادِسة و الرُّبع، و قد أنهَت الفَتاتان فَطورَهُما قبل عشرِ دقائق، كانت هانا بِصَدد الصُّراخِ على زَميلتِها في السّكن، لكِنّها لاحَظت أنّها تخرُج من المَطبخِ و قد غَسلت الأوانِي بالفِعل~
"لِمَ هُو لطِيفٌ هكَذا !؟" قالت مينها  تُحاوِر نفسَها عن الزّي المَدرسيّ النَّبيذيّ ذو ربطَة العُنقِ السّوداء الظريفَة
فأخَذت تُسرّحُ شعرَها و تُجهّز كُتُبَها بعدَ أن إرتدَتهُ حتّى حُلولِ السّابِعةِ تَمامًا بالضّبطِ حينَ خَرجت ذات المَلامِح الحادّة من البَيت فلحِقتهَا هي بعدَ عشرِ دقائق تمامًا بعدَ أن تأكّدت أنّ حافِظة طعامَها مُحكَمة الإغلاق و حاولتَ تلقِين نفسِها أنّ كلّ شيئ سيكُون على ما يُرام
السّابِعة و ربع

"لِمَ وجوهُ الأغلبيّة شاحِبة بهذا الشّكل؟"

راحَت تسألُ نفسَها بعدَ أن لاحَظت اللّون الغريب لمُعظَم الطّلاب، و قد لاحَ بصرُها أيضًا لأنّ جميعَ هؤلاء الطُّلاب من السّنة الثّانية أو ما بَعدَها وذلك لأنهُم في غير ممَرّ طُلاب السّنة الأولى الذين كانُوا ينبِضون بالحَياة !
يوجَدُ تَجمُّع غريبٌ حولَ قاعاتِ الصّفّ الأوّل، يبدُو أن الكُلّ يبحثُ عن إسمِه في تِلك القَوائِم المُعلّقة على بابِ كُل قاعةٍ من قاعَات المُحاضَرات و قد وجدَت إسمَها حالَما بدأت البَحث، "القاعَة الأُولى إذًا" قالت لنفسِها

•قاعَةٌ بِلَونِ القَهوة، كراسٍ طويلَة مُمتدّة على طُول المُدرّج النّظيف، زخارِفُ السّطح بِمثابَة لوحَة فنيّة تُغري أعيُن من يشعُر بالمَلل للتّحديق بِها إلى المالانِهاية، تِلكَ الثّرايَا الصّغيرة المُتَدليّة كعناقِيدِ العِنَب، و النّوافِذُ الزُّجاجيّة الهائِلة التي أشعَرتها بأنّها سافَرت عقودًا للمَاضي، حيثُ كانَت بريطانِيا في أوجِ قوّتِها تحتَ حُكم الملِكة فيكتُوريا
تدخُل بهُدوءٍ لتأخُذ الكُرسيّ الطّرَفي في الصّفّ الثّالِث مكانًا لَها، و في غُضون دقائِقَ معدودَة، وَلجَ بقيّة الطَّلبة و قد فُتِنُوا كذلِك بِجمَالِ القَاعَة التي إمتلأَت، تَبدُوا ملامِح بعضِهم مُرتابَة، و قد ظَهرت المُفاجَئَة على عُيونِ الجَميع بعدَ سَماعِهِم لِدَوِيٍّ مُرعِب، إنّهُ صوتُ إغلاقِ الأبوَاب، ما يَعنِي أن السَّاعة السّابِعة قَد وصلَت لنِصفِها و ما هِي إلّا ثوانٍ حتّى دَخلَت إمرأة في عقدِها الثّالِث تفِردُ منكَبيها و ترتدِي تنُورة رماديّة للرُّكبة و نظارَة طبيّة سودَاء سميكَة، يُمكِنُ أن تَشعُر بشكلٍ أو بآخَر أنّها أُستاذَة فيزيَاء
•«لا وقت لمَرحَبًا و حِصَصِ التَّعارُف سيبرُز الطّلبَة المُميّزون بِمُرورِ الوقت،لاحاجَة لأعرِف البقيّة، أنا لي مين كيونغ أستاذَة الفيزياء، ثانِي أهم مادَة لكُم بعدَ العُلومِ الطّبيعِية، أخرِجوا دفاتِرَكم و أسرِعوا في الكِتابة، الدّرسُ سهلٌ للغايَة <الظّواهِرُ الضّوئية> إنه درس تلاميذ الإعداديّة!» 
إندَهَش الجَميعُ مِما سَمِعوا، لكن يَبدو أنّه لا وقتَ للدّهشة كما قالَت، لا سِيّما أنّها بدأت بالفِعل تَملأُ السّبورة بعدد من الرُّموز المُخيفة.
سألَت بِقُوّة بعدَ رُبع ساعَة:«ما هُو الضّوء؟»
يبدُو أن قَلقَ مينها الإجتِماعي، قد مَنَعَها من أن تُجيب رُغم معرِفَتها بالجَواب فأردفَت المُعلّمة بنَوعٍ من الفُضول:«تفضّل أيّها الطّالب» يبدو أن أحدهم رفع يده، لم تتوقع مينها هذا، صَوتٌ رَخيمٌ شديدُ السّكينة سُمِع بكُلّ هُدوء و ثِقة و وضُوح:
«الضّوء هو مُستحثّ في وسائط المادّيات كي يقع في الإرتعاش في التراتيب الموصوفة وفق قوانين معيّنة ينتقل على شكل موجَات، اي أنّه فيزيائيّا مُجرّد إهتِزاز لتلك الوسائِط كالجاذبيّة والكهرومغناطيسيّة فالضّوء يتسارع وفق التغيّرات في حقول الكهربَاء و المغناطِيس وفق النظريّة الكهرُومغناطِيسيّة بالتّحديد»
لِسَبَبٍ مجهُول، أثارَت تِلك الكَلماتُ شيئًا ما داخِل مينهَا، فتكلّمت تحتَ تهامُسِ الطُّلاب المُحتارِين من أيّ لُغةٍ نطقَ بِها ذلك الشّاب و إعجابِ الأُستاذَة الواضِح بتعريفِه

أكادِيمِيَّة الجُرمِ المُخمَلِيّ ٭حيث تعيش القصص. اكتشف الآن