يَخطُو ببطئ وبجسَد متهاوٍ بأنفاسِه السَاخِنه وكَأنّها فرْن يلْفح ، بخطوَات بلا صَوت بدا كقِطعة الجَليد الذَائبة .
سَار بلَا قُوة نحو إبريزه قاَصِدًا الرّاحة ولو قلِيلًا ؛أخرج مِفتاحه وفتَح بابه ثُم هَوى نحو الأرِيكة المَوْضوعة أمامه وتنفّس الصّعداء بعناء مغطّيًا عَينيه بذراعه الحارة ، أمال رأسه محدّقًا نحو تلك الصُور المعلّقة في جُدران الغرفة ليَسرح في هوَى إحداها .
كانت تَحوي عَلى طِفلين في الحَضانة تقريبًا ؛ أحدُهما ذو شَعر بُني فاتح يَميل إلى البُهوت أكثر أضْفَى على جماله عيْنان لامِعتان بلَون فضّي يَمِيل إلى الزُرقة تتَخلّلهما لون أحمَر طَفيف يَعصر بَين يديه طفلًا آخر أقْصر منه بقَليل ذو شعْر مُفحِم ناعِم وأعيُن تتلَألأ بِبَريق برتقالي يَعكس خيوط الشّمس الوَاقعة عليها ، كلاهُما بشُوشان ومُلطّخان بالطّين تمامًا .حدّق فيها بصَمت ثُم شقّ ابتِسامة باهتة تتوَسّط وَجنَتيه اللّآتي احمرّتا إثر سخونَته وشعَر بعَبَرَةٍ دافئة تشُقّ طريقَها ؛ اعتَدل في جلْسَته ومسَحها بِهدوء ، سَمِع صوت صَرير الباب ، هناك من سَيدخُل !
عدّل من وَضعه مُحاولًا إخفَاء تعبه_ يا لهُ من نادٍ عجيب ! يَسْتحقّ إسم نادي الذكْريات أكثر "ضحك"
_ من أذِن لَك بالدّخول ؟
_ أأحتاج لإذن؟ أصبحت عضوًا هنا بالفِعل
_ حسنًا ، بما أنّ الباب كان مفتوحًا فسأُسامحك هذِه المرّة "قالها ساخرًا"
اقتَرب باتِر مِن سَام وجَلِس بجَانبه ؛ مَسّ جبِين سام بِحَركةٍ مباغِتة فلم يُعارض تقبّلا لتلك المباغَتة .
_ مرِيض؟
_ لا علَيْك ، مجرّد حمّى بسِيطة
_ ليْسَت بَسيطَة يا سام
أزاح يد باتر عن جبينه وقال : بسيطة ، لا عليك
_ أنت بارد في العَادة أما الأن فأصبَحت تحتَرق !
سَحب يد سام ناطقًا بحَزم : هيّا ! إلى الممرّضة ...
_أخبرتُك لا داعي
_ سام !
_ "بصراخ" باتِر ! أخبَرتُك أنا فقط مُرهق قلِيلا ولا داعِي للذّهاب
_ آه ،افعل ما تشاء !
أفلَت يد سام بقوة ورحَل ثم رطَم الباب خلْفه
تمتم بصَوت غير مسموع : آسف يا باتِر
رفع ناظِريْه مَرة أخرَى نحو صوره وإيفان "آسف أيضا إيفان ..."
ذرف الدمع بشكلٍ عشوائي متتالي ومسحها الواحدة تلو الأخرى بينما صوت شهقاته يتعالى في المكان
"آسف....آسف!"___________________________
في مكانٍ ما هناك يقِف سَارح التّفكير أمام خزَائن الطلّاب ، وسط ازدحام الحُضور وقهقهاتِهم ، ها هناك جماعة يتَنمّرون وها هنا أخرى يكركرون وأخرون يتحدّثون بينَما هو يراقب بصَمت موحش كليلة ظلْماء أو كصحراء خاوية ؛ بقي محدّقًا دون أن ينبِس بحرف وجلُّ ما يدور في باله "أين كانت خزانتي؟"
أمال رأسَه يمينًا ثَمّ شمالًا عاقدًا حاجبيه ويديه بذات اللّحظة " أعتقد بأنه كان عليّ سماع سام عندما أخبرني بكتَابة رقَم خزانتي على المفتاح .هكذا وحتّى رحيل الجمِيع وهو لا يزال حائِرًا أمام تلك الخزائن المرصُوصة ؛ فاجأه صوْت مباغت من خلفة مع ضَرْبة على كتفيه
_ إيفان!!
إفتزّ في مكانه وأصرّ على التحقّق من الفاعِل فهذا الصّوت غير مألوفٍ له -ليس سام- أدار رأسه بقصد ملاحقة مصدر الصوْت لكنّه حصل على مباغتَة أخرى! لقد غطّيت عيناه بيدان دافئتان !
تأكّد من أنه ليس سام فيَدا سام باردتان لا دافِئتان_ من أنا؟
_ من؟
_"ضحك" أنا أنا من أسألُك وليس أنت
_ لست سام!
_ أنا أعلم! إذن من؟
_من ؟
_ أنت من تجيبني ! من؟
_ لا أعلم! من؟
_آخخخخ، لما تصعّب المزاح معك هكذا! ألا تقبله من أحدٍ غير سام!
أزاح يديه عن ناظريّ الفتى ليْلتَفت نحوه بعجلة قاصدًا معرِفة الفاعل ليَقف متحجّرًا أمامه فيُتبع تحجّره بعقد حاجبيه ويقول بعَجَب : من أنت؟
_إيههه!! كيف تنساني!؟
_من...انت؟
_باتِر ، أنا باتِر !
_لا أعرف أحدًا بهذا الإسم ...
لفّ وجهه قاصدًا الرّحيل ليمسك الآخر ذراعه صارخًا : ماذا! ستذهب هكذا فحسْب ! أنا باتِر ! صديقك ! الّذي يُربّي القطط المشردة، ألا تتذكرني حقّا!
_"بحماس" قطط! لديك قطط حقّا_نعم نعم ، الكثير أتذكر
هزّ رأسه نافيًا ثم أجاب: هل يمكنك تعريفي على قططك ! أحبّ القطط!
تنهّد علامة التّعب ثم ردّ: حسنًا ، لن ألومك على نسيَاني فنحن تعرّفنا قبل مدة قصيرة فقط ، يمكنك التعرّف على قططي واللّعب معها
_أنا؟ نسيتك!؟ منذ متى! أعرفك جيدًا أنت باتِر صديقي!
_أتمزح معي الأن !
_لا ! أنت من تمزح! أنا لا أنسى أصدقائي!
حدّق باتِر في وجه الآخر قليلًا بصدمة ثمّ قال : أتعلم ؟ لا فائدة منك ، لكن على الأقل تذكرتني
وقف الآخر ورمش علامة الإستغراب وكأنّما لم يفعَل شيئًا بينما الآخر يئس منه ثمّ تنهد ونطق: سام صبورٌ حقًا ، ياله من شخص جيد !
_ صحيح ! سام! أين هو؟؟
_ لا أعلَم ، ابحث عنه بنفسه
قالها معطيًا ظهره لإيفان هازّا كتفيه إشارة لعدم علمه ثم رحل بينما الآخر لا يزال واقفًا في ذات المكان متسائلًا عن سبب ألم قدميه ناسيًا أنه بالفعل بقيَ واقفًا في ذات المكان منذ ساعات عديدة فقط لتذكر سبب قدومه هنا .
..
..
..
..
..
أمَا للصّمْتِ سَبِيلٌ فِي قُلُوبِنا ؟
الّتي تسْتَمر فِي العَصفِ دُون تَوَقّف .
..
..
..
باتِر : إسم من أسْماء السّيف .
.
أنت تقرأ
هذه القصة بلا عنوان
Romance-أإذا نَسِينا الذِكرَى ؟ أنَنسى الشعور !؟ أتَخبّط في لوحةٍ بوِسع المُحيط ناصعَة البَياض ، أتنسَى قُلوبنا الألم حتّى بعد أن نسَت رؤوسُنا؟ "الفُصول هُنا عَديدَة ولكن قَصيرة"