كُتل مُرتَفعة عَن الأَرض ببضعَة سَنتيمِترات
مُحَاطة بالزُهُور المُلوّنة كَأنّها تُحَاول إبعَاد غَمامَة المَوت المُحيطَة بالمَكان ؛ نِصف قُرص الشَمس الذي يَقتَرِب من الخُفُوت يَنشُر آخِر ما تَبقى من خيُوطه الذَهبيَة مَالت إلى البُرتُقاليّ المُحمَر ويُسقِطها على القُبور المملُؤة بالغُبار لتَعكِس ألوَانًا من الشَفق في قَطرَات النَدى .وَاقِف أمَام أحد القُبُور والنَسيم يَترَاقص رِفقَة خُصلاته الفَحمَاء ، بينما الشَمس تُنير في عَينيه لتُبرز غرُوبها الخَاص ،قَميص أسود وبنطَال بذَات اللّون ؛ بِهدوء وبلا أي ردّة فعل يُحدّق في الزُهور الذَابلة المُحيطَة بذلك القَبر المُغبّر .
دَخل بِشعرِه المُتلألئ كالفِضة وعَينَان كاليَاقوت في لمَعانها تَنعَكس عليهَا أضواء الشَمس لتُضيء بأنَاقة ، لم يَكن يَرتَدي نَظارته ، أقرَاط على أُذنه وشَعره المُرتد إلى الورَاء مما أعطَاه منظرًا جامِحًا على غير العَادة ، بنطَال وَاسعٍ ذو جُيوبٍ عَديدة يُشبه بنَاطيل المتَزلجِين وقَميص بذات اللّون لَكنّما عَليه الكَثير من المَرسومَات العشوَائية ؛ كان يَبدو مُختلِفًا تمامًا عن مَنظره في المَدرسَة حتّى أنّك قد لا تتعرّف عليه .
اقتَرب من سَام حَاملًا زَهرة "الليلي"في خفّارها ، وَقف قَلِيلًا بجَانبه ليُشارِكه مَنظر الأفُق ، هَمس سام له دون أن يُشيح بنَظره عن اطرَاف الشَمس : مالّذي أتى بك ؟فرَد عليه بصَوته الهَادئ : أردت زيَارة صدِقتي أيضًا ...
نَزل على رُكبَتيه ووضع الزَهرة جانِبًا ثُم مدّ يده نَحو القَبر ليَنفض الغُبار أعلَاه فَيظهر المَكتوب عليه بَعدما كان مُختفِيًا "أجوان كينَان" ، ابتَسم بلُطف ثُم نَطق بشيء من الحنين : أتعلم ؟ أتمنى أحيانًا أن أعود طِفلًا مرّة أخرى ....
أجاب بذات الحَنين رِفقَة بَسمة خَفيفَة دون إبعَاد نَاظريه عن الغُروب : لِم قد تتمنّى إعادة قَطع ذات الشَوط مرّة أخرى ؟
صَمت قَليلًا حَافرًا حُفرَة صَغيرة بجَانب ذلك القَبر ليزرَع الزَهرَة فيها ثم نَطق : لا مُشكلة لدَي حقًا ، علَى الأقَل لن أضطَر لتَمثيل دور الفَتى المِثالي كل صَباح
ضَحك الآخر رادًا : تيمور ، أحب شَخصيَتك الحَقيقيَة أكثر ...
_أنا أيضًا أحبها وأتمنّى لو أنني أستَطيع عدم إخفَائها ...
_تيمور ، هل الأسرَار تَبقى أسرَارًا إلى الأبد ؟
صَمت قليلًا ثُم نَطق بشيء من الحُزن : لا أظن ذلك ... يَجب أن يأتي يوم تتحَول فيها الأسرَار إلى أخبَار
_لكن لِمَ؟ أليس من الأفضَل بقَاؤها مَخفِية إلى الأبد ...؟
_لا ، هذا قَانون الحَياة ولا يُمكن إبطَاله
_وماذا إن كان الأفضَل إبطَاله ؟
_ليس الأفضَل ، لو كان إبطَاله أفضَل لما كان قانُونًا أصلًا ، تمَامًا مثل الفيزيَاء
أنت تقرأ
هذه القصة بلا عنوان
Romance-أإذا نَسِينا الذِكرَى ؟ أنَنسى الشعور !؟ أتَخبّط في لوحةٍ بوِسع المُحيط ناصعَة البَياض ، أتنسَى قُلوبنا الألم حتّى بعد أن نسَت رؤوسُنا؟ "الفُصول هُنا عَديدَة ولكن قَصيرة"