"جريمَة"

42 6 60
                                    

مرت مُدة منذ إصابته بذَلك المَرض "السرطان" .. هو حتّى لا يتجرأ على نُطق اسمه خوفًا من شَبحه -يقصد المرض- إذا أنه أصبح يؤمن بأنه شيء كالشَر يُحيط بمَن يَجلب سِيرته ، مَلاك مَوت يَستمتع بالنَظر إليك وأنت تتلوى ألمًا أمام نَاظريه ، يتغَذى على عجزه ويُغمغِم سعادة من أنينه .

الكِيماوي المُعالِج أيضًا لم يَكن رحيمًا به ، كَان يتشرب من منَاعتِه وكَانّها ترياق ، يمتَص كُل شحمة في جسدة حتّى جعله قِطعة من الجِلد والعظم ، نتّف شعره حتّى أفقده وَجهه القديم المُشرق وشلّ أجزاء من جَسده ليُصبح أقرب لدمية خاوِية من الحياة .

أصبَح قَليل الكَلام عاجز عن الحراك ، عن التفكير ، وعن الابتسام كَما السابق ؛
رغم ذلك لم يتوقف عن القراءة ، أو بالأصح لم يتوقف عن الإستماع إليها فعيناه ذبلتا بما فيه الكِفاية لتُصعب عليه النظر إلى كتاب لكن أذناه لم تتعب سمَاع صوتها ..

أجوان ....

تَقرأ بِلا كلل أو ملل ، تتَحدث عن يومها ، أصدقائها ، حيَاتها بكل التفَاصيل ، تَمسح على شَعره وتُخبره أن كل شيء على ما يرام ، تجره بالكُرسي المُتحرك نحو كل مكان ، وتُبعده عن حفنَة الحمقى الذين أخذوا يُشيرون بأصابعهم نَحوه ضاحكين على شَكله

-رأسه كالبيضة !

- انظر كَم هو نحيف

-كَعود ثِقاب !!

-إلاهي ما بال وَجهك ؟

-ألا تستطيع الكلام ؟ حتى بعدما كنت ثرثار لا يسكت !

ابتَعد كُل أصدقائه بَعيدًا وتَركوه وَحده بَعدما كَانوا يُحيطون به من كل زَاوية .

لَكنها لَم تَفعل ، هو أخوها وأهم ما تَعرف ، أخذت تَجره مَعها إلى الحديقة ، تَلعب مَعه وتحاول قَدر المُستطاع جَعله يُطلق تِلك الضحكة الاي بَاتت خافِتة ورقِيقة مؤخرًا بعدما كَانت صاخِبة بالمَاضي .

أصبَحت تَدرس بِجانبه وتُطلعه على دروسها وآخر الإختراعات ، تَقرأ له تِلك المَجلات التي لطالما أحبّها عن الروبوتات والآلات ، أصدِقائها ورغم أنهم خَافوا صراحة أمام مَظهره الشَبيه بالأموات إلا أنهم أخفوا ذلك سريعًا وأخذوا يثرثرون مَعه ويُلاعبونه كَما لو أنّه صديق قَديم حتّى بدأت لَمحات من الحياة تَظهر على وَجهه ..

..
..
..
..
..

مرت مُدة مُنذ خُروج إيفان من المَدرسة ؛
في الحقِيقة سام لم يَشعر بالوَحدة فهو يَملك أصدقاء من الأساس ، وإنما شَعر بالقَلق والفَراغ ، بدا وكأن عبارات السخرية قَد تَغيرت نحوه .

من قول : خادم إيفان

إلى قول : ترك السيد خادمه ..

لَم يَكن يُبالي على أية حال بذات القَدر الذي كان يهمه فيه أمر إيفان .

هذه القصة بلا عنوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن