"قَزمَان"

42 5 42
                                    

يَجلِس رجل قَد اقتَرب من الخَمسين على الأرض ليَربط حذاءه العَتيق ، بينَما هناك شَابة تقف خَلفة وتوبِخ بلُطف : أبي ! أخبرتك أن لا تَنزل لربط حذَائك ! هذا سيُؤذي ظَهرك !
ضَحك العجُوز بلُطف ونَطق بصوتِه الشاحب : أنت تُبالغين يا ديالا ! ألا ترين بأنني لا زِلت شَابًا قويًا ههههه
أرفق كلَمه بقَهقَهة لطيفة ليَخرج صوت آخر مِن المَطبخ لعجوزة تُؤكد على كلَامه بقولِها : نعم ديالا ! والدك لا يزَال شابًا قويا فلا تقلَقي ..

قَاطع حدِثهم صوت طُفولي يُلحق بصرِير درجَات المَنزِل ، صرخ الطفل بحمَاسة : بَابا ! إلى أين ستَذهب !

اتسعَت ابتسامة العجُوز وردّ بكل سعادة : إلى مَطعم جَديد قد فتح بالقُرب من حيّنا

بَرقت عينا الصغير ليجيب بحماس : حقًا ! أيمككنُني المَجيء ! أرجوككككك

قَقهقَه الرجل ثم التَفت نحو صغِيره نَاطقًا : طبعًا تَستَطيع ! وكَم إيفان لديّ أنا كي لا ألبي طَلبك !

أطلق الطفل صرخة حماس ثم اندَفع نحو حِضن وَالده ليَصرخ بسعادة : شُكرًا بابا ! أحبك !

حمَل الرجل طِفله الذي لم يَبلغ السَادسة بعد وخَرج نَاطقًا : أترِيدان شيئًا من الخَارج ؟

أومأتا بالرَفض مع ابتسامة طفِيفة ليَخرج هو الآخر حاملًا إيفان بين أحضَانه وصوت حديثهما العشوَائي يملأ المَكان ..

هُناك في مَكان آخر ، بِنَاية طُوبية عتِيقة البِنَاء تتزين من الداخل بالخَشب مما أضفى إلى شكلها شيئًا من الفخَامة القَديمة ، لُوح مرسُومة بدقة وجَمال كُتب عليهَا "الرسامة : إيليا" مع توقِيع أنيق .

رجُل كَهل وزَوجَته اللذان امتلَكا مبلَغًا فائضًا من المَال فقررا فَتح هذا المَطعم المُتواضع ليَجمعا عجَزة الحي ويقضيا الوقت معهم ، تَطبخ السيدة بكُل حب لجَميع ضُيوف المَطبخ ويُساعِدها في إحضَار وتَمرير الأدوَات لها طِفل لم يتَعدى الخَامسة بعد وذلك لشُعوره بالملل بسبب الوَحدة التي يعيشها في حيّ العجزة هذا ، وهُناك ذلك العجوز يتحرّك بنشَاط ويُقهقه مع زبائنِه أثناء تَقديم طلباتِهم .

رنّ جَرس ذُو لَحن لَطيف يُعلم أصحاب المَطعم بقُدوم زَبون آخر ، تَقدم أشيب الشَعر نحو الزَبون ونَطبق برسمِية يتخللها اللُطف : أهلا بِك سيدي ..

ضَحك الدَاخل وأجَاب مَازحًا : تشرفت بِك ،سموّك

رفع العجُوز حاجِبه باستغراب ثُم قهقَه هو الآخر وحدّق في الصغِير المُتشبِث بملَابس الزَبون ، نَزل لمِستواه وقَرص خدّه قائلًا : أهلا بأول زَبون صغير هُنا ..

عقَد الطِفل حاجِبيه باستنكَار وأجَاب : أهلا ... بك

ضحك العَجوز وأشار للزَبون بأن يَجلس ثُم نَادى : سَاااام ، صغِيري تَعال لهُنا !

هذه القصة بلا عنوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن