في متاهة الروح..

30 4 4
                                        

الاكتئاب هو موت القدرة على الشعور بالسعادة، كأنما يُغلق باب النور ويُختم بالشمع الأسود، فلا ضوء ينفذ ولا بصيص أمل يشع. إنه دفن للأمل في مقبرة النسيان، حيث تتراكم الأحلام مثل رماد السجائر في منفضة مهجورة.

في حضرتِه، يصبح الفرح ذكرى بعيدة، كسراب في صحراء قاحلة، تتلاشى بمجرد الاقتراب منها. إنه حالة من الجمود العاطفي، كجليد لا يذوب مهما أشرقت الشمس، وكأنه شلل يصيب الروح، يحرمها من التحليق أو حتى الزحف.

ليس مجرد حزن عابر، بل هو عاصفة دائمة تسكن القلب، تمحو كل أثر للحياة والبهجة. إنه شعور قاتم، كسماء بدون نجوم، وغابة بدون أصوات العصافير. في ظلاله، يبدو المستقبل كورقة بيضاء ممزقة، والخطوات إلى الأمام كأنها مسيرة في رمال متحركة.

إنه قيد غير مرئي، يسجن الروح في زنزانة من اليأس، ويمنعها من الهروب أو حتى الحلم بالحرية. هو ذلك الفراغ الهائل الذي يبتلع كل ما هو جميل، ويترك وراءه فراغًا صامتًا، لا تسمع فيه إلا صدى الصمت.

هو ذبول الزهور في حديقة الروح، حيث تصير الأيام كأوراق الخريف المتساقطة، تذروها الرياح بلا هدف أو اتجاه. إنه بحر من الظلام يبتلع كل بصيص أمل، يجر النفس إلى أعماق لا تُرى.

يغدو الزمن ثقيلًا، كأنه يتوقف عن السير، وتتلاشى الألوان لتصبح الحياة مجرد صورة باهتة بالأبيض والأسود. هو سجن بلا قضبان، حيث يكون الجلاد هو ذاته السجين، يئن تحت وطأة أفكاره ومشاعره.

كأنه سماء مكفهرة لا يزورها النور، وبحرًا هائجًا لا يعرف الهدوء. إنه شجرة جرداء في صحراء الوجدان، لا تنبت فيها أوراق الأمل ولا تزهر فيها براعم الفرح. إنه سفر في نفق بلا نهاية، وعبور لجسر متهدم يمتد نحو العدم.

تتراكم الأسئلة في ظلاله، بلا إجابات، كأصداء تائهة في وادٍ موحش. هو ذلك الثقل الذي يرزح على القلب، يشل القدرة على الإحساس، ويخنق الابتسامة في مهدها. كأنما الحياة تصير سرابًا، والأمل حكاية تُروى ولكن لا تُصدق.

ينطفئ بريق العيون، وتخبو نار الشغف. هو غيمة سوداء تظل الروح، لا تمطر إلا مزيدًا من الحزن والفراغ. إنه ذلك الوحش الصامت الذي يلتهم الأيام، ويترك الإنسان أسيرًا لحزنٍ لا يبارحه ولا يترك له فسحة للنجاة.

هكذا، يتجلى كخنجر خفي يغرس في الصدر، ينزف منه الأمل ببطء حتى يتلاشى، كأنما الحياة تصير ليلًا لا ينقشع، وظلمة لا يبددها فجر.

تصبح الأماني كنجوم بعيدة لا تُطال، والذكريات الجميلة كأطياف تتلاشى مع أول خيط من ضوء النهار. إنه غياب الفرح من اللوحة، حيث تصير الألوان باهتة، ويصبح كل ما هو حي ميتًا، وكل ما هو جميل قبيحًا.

هو سرداب بلا نهاية، كلما حاولت الصعود تعثرت بخيبات جديدة، وكلما حاولت البكاء جف الدمع في المآقي، وابتلعتك الصمت القاسي. إنه حرمان من السكينة والراحة، وكأنك في سباق لا نهاية له، تبحث فيه عن طيف من السعادة الهاربة، بلا جدوى.

كالسير في متاهة، يختفي فيها كل مخرج، وتصير كل خطوة محاولة يائسة لإيجاد الطريق. إنه سجن من الوحدة القاتمة، حيث يغيب الصوت والنور، ويصبح الحديث إلى النفس مريرًا، وكأنك تتحدث إلى صدى فارغ يعود إليك بالحزن مضاعفًا.

يصبح كل شيء ثقيلًا، حتى الهواء الذي تتنفسه يحمل معه طعم الملح والحزن. تصبح الحياة ككابوس مستمر، لا صحوة منه ولا هروب. إنه مرض لا يظهر على الجسد، ولكنه ينهك الروح ويمزق القلب.

كأنما تبحر في بحر هائج بلا شراع ولا بوصلة، وأمواج اليأس تتقاذفك من كل صوب، كل محاولة للنجاة تبدو عبثية، وكل لحظة أمل تموت قبل أن تولد. هو كغيمة سوداء تلتف حولك، تمنعك من رؤية الضوء، وتحجب عنك الدفء.

في النهاية، يبقى كتلك الهاوية التي لا قرار لها، حيث تتردد الصرخات بلا صدى، هو العَدم الذي يسكن الروح.

والموت الذي يتسلل ببطء ليقتل كل ما هو حَي.



FL.🕯

ظِلٌ عابِرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن