قَبضةٌ مِن أثرِ السَرابْ..

50 4 14
                                        

ֺ☆ ꕀ . ꕀ ★ ꕀ . ꕀ ☆

في صحراء الحياة، نمضي مثل القوافل التائهة، تلهث وراء السراب وكأنها تسعى إلى شربة ماء في يوم قائظ. السراب، بلمعانه البراق، يشبه الأماني التي تبدو قريبة، لكن كلما اقتربنا منها، اكتشفنا أنها تتلاشى كالغمام في سماء الصيف.

نحن مثل الفراشات التي تطارد النور، تظن أنها ستجد الدفء، ولكنها تنسى أن الضوء الذي تلاحقه هو نار قد تحرق أجنحتها. نحمل في أيدينا أكفًا فارغة، نشعر بثقل الأحلام التي تشبه الأحجار الكريمة التي نتمنى اقتناءها، ولكنها تتبدد كالرمل بين الأصابع.

مثل البحارة الذين يبحرون في محيطات الوهم، تتلاطمهم الأمواج الهائجة لأحلام غير واقعية، يعتقدون أن جزيرة الكنز قريبة، لكنها لا تزال مجرد خيال. نحلم بالوصول إلى قمة الجبل، لكننا نتجاهل أن الطريق نفسه يحمل الكثير من الجمال والمعاني، وأن القمة ليست سوى نقطة في مشوار طويل.

ونحن كالفنان الذي يرسم لوحة الأحلام بألوانه الزاهية، يكتشف في النهاية أن تلك الألوان قد خفّت وصارت باهتة، لأن الواقع لم يكن مثلما تخيله. السراب، كما الحلم، هو صورة ملونة في الأفق، لكنها تبقى بعيدة ولا يمكن لمسها.

في رحلتنا هذه، نمر كالأنهار، نترك أثرًا خفيفًا على الرمال، نروي الأشجار والأزهار في طريقنا، ثم نمضي دون أن ندرك أننا قد حققنا شيئًا ذا قيمة. وفي كل قبضة من أثر السراب، نتعلم أن الحياة ليست بالضرورة ما نتوقعه، وأن الجمال ليس في الوصول فقط.

نحن كالعصافير التي تحلق في السماء، تبحث عن عش آمن، ولكنها تسافر بلا توقف، تتنقل بين الفروع، تبحث عن مأوى يطابق أحلامها. تشاهد من الأعلى مناظر خلابة، ولكنها تفهم أن الصورة لا تُرى بوضوح إلا عند الاقتراب.

نحن كالفراشات في حديقة واسعة، نلاحق الزهور الزاهية، ننجذب إلى ألوانها ورحيقها، ولكننا غالبًا نكتشف أن الزهرة التي تبدو أجمل قد لا تكون هي الأطيب. نطير من زهرة إلى أخرى، نترك أثرًا خفيفًا على بتلاتها، دون أن ندرك أن رحلتنا بين الزهور هي بحد ذاتها جزء من جمال الحياة.

نحن مثل البحارة الذين يبحرون في بحر بلا حدود، تلاحقهم النجوم في سماء الليل، تعكس بريقًا يشبه الأحلام التي تراودنا. نشد الأشرعة نحو أفق لا ينتهي، متأملين أن نجد جزيرة الأحلام المفقودة، ولكننا ندرك أن الرحلة نفسها تحمل لنا تجارب ومعرفة لا تُقدر بثمن.

مثل الرسامين الذين يمسكون بالفرشاة ويحلمون برسم لوحة الكمال، نبدأ كل يوم بلوحة بيضاء، نحاول أن نلونها بالأمل والإبداع، ولكننا نواجه أحيانًا مساحات فارغة تعكس ترددنا وخوفنا من الفشل. ومع ذلك، كل ضربة فرشاة تحمل جزءًا من روحنا، وكل لون يضفي لمسة من ذاتنا على اللوحة.

كالأشجار التي تظلل على المارة، نتأرجح بين الربيع والصيف والخريف، نمر بمراحل مختلفة، نرتدي ألوانًا جديدة، نلقي أوراقنا القديمة، وننتظر تجدد الحياة في كل فصل. نحمل ثمارًا قد تكون لذيذة أو مرة، ولكننا دائمًا ما نقدم شيئًا للآخرين ولأنفسنا.

مثل الطيور المهاجرة التي تسافر لمسافات طويلة بحثًا عن الدفء، نحمل معنا ذكريات من الأماكن التي مررنا بها، ونتعلم من كل محطة دروسًا جديدة. ندرك أن الطريق ليس دائمًا مستقيمًا، وأن الرياح قد تدفعنا أحيانًا بعيدًا عن مسارنا، ولكننا نواصل الطيران لأنفسنا وللذين ينتظروننا.

كالفراشة التي تمر بمراحل تحولها، من بيضة إلى يرقة إلى خادرة ثم فراشة جميلة، نجد أنفسنا نتحول ونتغير مع مرور الوقت. نتعلم أن الجمال الحقيقي يكمن في التحول والنمو، في قدرتنا على التكيف مع التغيرات والتحديات التي تواجهنا.

ومثل السحابة التي تتغير أشكالها باستمرار، نحمل في داخلنا العديد من الأوجه والصفات، نتبدل ونتطور مع كل تجربة نعيشها. نحمل أمطارًا قد تروي الأرض أو عواصف قد تعصف، ولكننا نعلم أن في كل حالة نترك أثرًا في الحياة من حولنا.

في النهاية، نحن كالشمس التي تشرق كل يوم بغض النظر عن السحب والعواصف، ننهض من جديد بعد كل تحدي، نحمل ضوء الأمل ونوزعه على العالم من حولنا. ندرك أن السراب ليس هدفًا يجب الوصول إليه، بل هو دعوة للبحث والاكتشاف، للتأمل في جمال الرحلة نفسها وليس في نهايتها فقط.

ᦏ᪔

ظِلٌ عابِرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن