قبل خمس سنوات
وقفت خطواته المهزوزة أمام تلك اللافتة التي كانت تقاربه في الطول بعد أن عَدَّل حقيبته المُلقاة بإهمالٍ على كتفه، اللافتة التي دلَّت بشكل قاطع على قِصَر قامته الواضح للناظرين.
شعره الفحمي كانت تتخلله خُصَل زرقاء لامعة بينما كان مرفوعا إلى الخلف بسبب طوله، ملابسه كانت ذات لون كحلي باهت تشبه في تصميمها أزياء محاربي القصص الشعبية/ مع فارٍِ واحدٍ أنها مزيجٌ من كلِّ القصص.
تفحص بعينه اليمنى ما كُتِب على تلك اللافتة بينما حكَّ تلك الضمادات التي وضَعها حديثًا على عينه.
‹تبا هذه الضمادات مزعجة للغاية!›
ضماد على عينه اليسرى صعَّب عليه مهمة القراءة، خصوصا وأن شعر غُرَّتِهِ يقف ساترًا بعد الضمادات، همس بعدها مُحادثًا نفسه
«لِنرى...
-مرحبا بزوار مملكة هارموني، يسعدنا حقًّا تواجدكم في مملكة الأمن والأمان، قد تحبون رؤية شلالات سقارڤيل ذات اللون الوردي، أو رؤية الفراشات النادرة في محمية ماهيد الطبيعية، لكن ما سيُبهركم حقا هو عاصمة المملكة نيو هارمونيا، حيث قصر عائلة تورمالين الملكي الذي يتميز بلمعانه الكريستالي في الليلة الأهم للمملكة "يوم انتصار الأول من نوفمبر" حين تحررت المملكة من سلاسل استعمار الإمبراطورية بريتالي، تُضاء الشوارع بزينة مُبهرجة في تلك الليلة بينما يحتفل الأهالي بانتهاء الاستعمار، نرحب بالقادمين من الممالك المجاورة ونتمنى لكم عطلةً رائعة-
‹نبذةٌ تعريفية عن المملكة إذن!›
رفع بصره نحو البوابات الحديدية العظيمة التي تفصله عن دخول المملكة، وقد بدا الشحوب على وجهه بعد رحلة دامت أسبوعًا على تلك السفينة التي لم ينل فيها ساعة راحة.
كان الميناء من حوله مزدحمًا بالسُّيَّاح القادمين والذاهبين من حوله، لكنه كان مفصولًا عن الواقع بعد أن رأى تلك البوابات، لأنه ومن داخله شعر بمزيج من الخوف والتَّرقُّب، لم يفهم سبب ذلك، لكنه لن يعود مجدَّدًا إلى ذلك الجحيم الذي هرب منه.
كانت أصوات أحاديث الناس، ووقع خطوات أحذيتهم على الأرض هو كل ما تستطيع الأذن سماعه، حتى اخترق ذلك الروتين صوتٌ أخرج ذلك الفتى من تلك الفقَّاعة التي غرق فيها.
«مهلا أيها الغامض الصغير!»
التفتَ نحو صاحبِ تلك الكلمات فوجده شابًّا بدا أنه يعمل حمَّالًا في ذلك الميناء، كان يبتسم ابتسامة ساخرة أثناء إلقائه النصائح
«انتبه على نفسك في أرض الوحوش تلك، واحرص على ألا يصطادك تجار البشر؛ قد يعتقدون أنك فتاة بشعرك الطويل ذاك»
انطلقت الضحكات من زملائه إثر نصائحه الساخرة، كان ذلك مزعجًا بالنسبة للفتى صاحب الاثني عشر شتاءً لكنه قرر ألا يُعيرهم أي اهتمام، عاد ببصره إلى الأمام بينما يتمتم بانزعاج.
«حتى هذه المملكة مليئة بِالفضوليِّين! ليسَ وكأن الأمر بيدي»
كان متأكدًّا أنَّ عليه أخذ حيطته في هذا المكان الجديد، فعلى عكس الممالك الأخرى تعتبر هذه المملكة مرتعًا لأسواق العبيد نظرًا لبدائية الأدوات المستخدمة لحفظ النظام في سائر المملكة باستثناء العاصمة، إضافة لموقعها الجغرافي المتميز وسط الممالك الأخرى.
الشيء الوحيد الذي جعله مُطمئِنًّا هو عدم تواجد الأسلحة النارية هنا، لِسبب ما يُمنع حمل المسدس والبندقية أو حتى التفكير في شرائها، كما سمع إشاعة لا يدري مقدار صحتها عن عدم تواجد أجهزة اتصالٍ فيها، لكنها بحق مكان ممتلئ بأرواح مدمنة للخراب والدمار، لم تبدُ إشارات جيدة له، لكن ماذا بوسعه أن يفعل في النهاية.
لذا تنهد بيأس ثم حادَثَ نفسه مُحاولًا التماسك قليلًا
«لن يصيبَكَ مكروه، بإمكانك البقاء بخير رغم كل شيء، لا تكن جبانًا»
كاد أن يخطو أول خطوة له داخل أراضِ المملكة إلَّا أن صداعًا مُباغتًا ألمَّ به فتوقف وأمسك برأسه علَّ الصداع يختفي، وفي لحظتها لمح بالغَيْنِ يمُرَّان بجانبه، أحَدُهُما سيدة ترتدي وشاحًا أبيض على رأسها بجانبها رجل يرتدي نظاراتٍ بيضاوية صغيرة أمام عينيه البنيتين، كلاهما كان يلبس ملابس رسمية سوداء اللون وبَيَّد أنهما زوجان، خصوصًا حين لمح ابنهما صاحب الأربع سنوات يقفز بمرح حولهما بينما يصيح بصوت طفوليّ
«هل يمكننا الذهاب لتلك المحمية؟ أريد رؤية الفراشات!»
ضحكت أُمه على كلامه ثم مسحت على شعره بحُنُوٍّ بالغ أثناء جوابها
«بالتأكيد يا عزيزي، وأنا واثقة أن الفراشات هناك سوف تحبك»
«حقا!»
اتسعت ابتسامة الصغير بينما احمرت وجنتاه المُكتنزتان من السعادة، صاح بعدها بينما مِن وُسعِ ابتسامتهِ بدا حقًّا ظريفًا
«أنا أُحبكما!»
في تلك اللحظةِ باتت مُراقبة هذه العائلة السعيدة أمرًا عسيرًا عليه، ذلك الفتى الصغير يشبهه باستثناء عدم امتلاكه خصلاتٍ زرقاء في شعره الأدهم، طأطأ رأسه إلى الأسفل حتى أخفت غُرَّتُهُ عينَيه أثناء تمتمه بصوت خافت بينما يقاوم بشدة رغبته في البكاء.
«أريد رؤية الفراشات أيضًا»
مسح بسرعةٍ دموعه التي كادت تسقط من عينيه ثم استقام بِطوله وأخذ أول خطوة له داخل المملكة بعد أن اختفى الصداع ومعه تلك العائلة الغريبة، وقد كانت تعلو البوابات الحديدية لوحة ترحيبية كُتب عليها
_ أهلا بكم في المقاطعات الخمسة لِمملكة هارموني _
أنت تقرأ
من قلب الظلال: ذكريات يمحوها القمر «مستمرة»
Fantasy_فانتازيا مظلمة إلى حيث النقطة التي توقف عندها، يلهث بلا توقف، قلبه يضخ الدم بصعوبة كأن دماءه ترفض السير في شرايينه، لكن ما زال عليه الهرب. إلى أين بالضبط؟ ذكرياته لا يثق في كونها تخُصُّه حتى، والأشياء الجديدة يشعر دائمًا أنه رآها من قبل، وهؤلاء ال...