قبل بضع ساعات
في مكان آخر وحيث هناك بعض الخيام المتناثرة هنا وهناك، بينما يتحلَّق البعض في دوائر حول نيران أضرموها للتدفئة وطهو الطعام، كان صاحب العيون العسلية يتجول بحثًا عن شخص ما حتى التقطته عيناه أخيرًا.
سيدة في أواخر عقدها الرابع، يجلس حولها بضعة أطفال بينما أمامها قِدرٌ يغلي به حساء قامت بإعداده، تعلوا وجوههم ضحكات بريئة بينما تسكب في طبق كل واحد منهم كي يتناولوا العشاء والبسمة لا تفارق وجهها.
ابتسم نديم بدفءٍ لذلك المنظر الهادئ، والدته دائما حنونة هكذا منذ قابلت باقي أطفال القُرى المجاورة، فاقترب بهدوء كي لا يفزعهم ثم ألقى السلام كي تنتبه أمه له.
«وعليكم السلام، لم أتخيل أنك ستأتي الآن يا نديم»
كانت تبتسم، لكنه عرف أنها قلقة كون الطعام غالبا لن يكفي، وهذا ما كان قد حسب حسابه حين أتى.«لا تقلقي...أحضرت معي بعض المُعلبَّات التي ستكفينا، وربما نعطي البعض منها للأطفال»
ارتاح حين رآى ملامحها تطمئن، وسرعان ما دعته للجلوس جوارها بينما باقي الأطفال منهمكون في مضغ الطعام.جلس جوارها وأخرج علبة بها بعض شرائح مجففة من اللحم، فأخذت منه بينما سألته
«كيف سارت الأمور مع الجامعة، هل منحوك إذنًا بالخروج لاستكمال الدراسة؟»حدث بالفعل أنه بعث بطلب للجامعة ليسمحوا له بدخول العاصمة، وحاليا طلبه ما زال معلَّقًا، لكن هناك احتمال كبير أن يسمحوا له بالخروج منهما، رغم أن باله ظل مشغولا.
«نديم...تعرف أنك حتى وإن ذهبت فيمكنك جعل بعضنا على الأقل يخرج»
ردت والدته عليه، كأنها سمعت جزءًا من أفكاره، رغم أن شيئا آخر كان يشغل باله أكثر، لكنه ابتسم بينما يرد«بالطبع يا أمي...سنخرج من هنا»
نظر بعدها لهولاء المساكين الذين أُجبِروا على النزوح بتلك الطريقة مثل قريته تماما، لربما القطاع الأول بأكمله تعرض لهذه الغارات الغريبة، لكن الأمر أعاده للحظات بشعة من الماضي، حيث كان الفاعل مختلفًا لكن ظلت النتيجة واحدة.الخسارة، خسر مدرسته قبل عشر سنوات، بعض أطفال الجيران، وصديقه المقرب نيروز، الأخير كانت خسارته هي الأسوأ من بينهم جميعًا، ومن بين تلك الذكريات التي لم تُمحَ من ذاكرته تحدثت أمه كاسرة الصمت.
أنت تقرأ
من قلب الظلال: ذكريات يمحوها القمر «مستمرة»
Fantasy_فانتازيا مظلمة إلى حيث النقطة التي توقف عندها، يلهث بلا توقف، قلبه يضخ الدم بصعوبة كأن دماءه ترفض السير في شرايينه، لكن ما زال عليه الهرب. إلى أين بالضبط؟ ذكرياته لا يثق في كونها تخُصُّه حتى، والأشياء الجديدة يشعر دائمًا أنه رآها من قبل، وهؤلاء ال...