الفصل العاشر : أسرار خفية.

317 28 10
                                    

تجلس أمام مرآة التسريحة بعقل شارد وصوت زغاريد النساء في الأسفل يكاد يصيبها بنوبة هستيرية، تناظر بعينين ميتتين هيأتها التي زينوها بعناية ولكنها لم تكن كأي عروس تنتظر بشوق لحظة الوصال مع زوجها، بل كانت كمن غسَّلوها وهي حية وهاهم سيأخذونها لقبرها وسط جو من الأغاني والصخب !

أغمضت عيناها مسيطرة على دموعها المحتجزة لتنطق إحدى الفتيات اللواتي كُنُّ جالسات معها :
- والله ووقعتي وانتي واقفة يا نيجار كنتي بتقولي مش هتجوز وفي الآخر خدتي شيخ شباب البلد.

ضحكت رفيقتها وضربتها ممازحة :
- اذكري الله هترقعيها عين توديها في داهية ... بس ابقي احكيلنا يا نيجار هيقولك ايه ويتصرف معاكي ازاي عشان نعرف طبيعته مش ممكن ربنا ينوب علينا بواحد زيه.

تعالت الضحكات مجددا ولاحظت سلمى تصلب نيجار بنفور فتنحنحت متدخلة :
- بس انتي وهي متضايقوهاش كده.

في هذه اللحظة طُرق باب غرفتها ودلفت جميلة تتأمل نيجار وهي ترتدي فستان أبيض ينزل على جسدها بإحتشام وتضع مكياجا خفيفا أما شعرها فأسدلته في تموجات بسيطة، كانت جميلة كعادتها ولكن نظارة وجهها لم تستطع إخفاء جمودها وكأنها ستزف لموتها.
وربما هذا صحيح فهي ألقتها في الجحيم لتنقذ إبنتها من الخطيئة المرتكبة في حق آدم الصاوي، لم تكن تريد هذا بالطبع بل وكانت تتأمل أن يرفض آدم الزواج لكن مع الأسف قد وافق ولم تستطع نيجار النجاة من لعنة الخطيئة هذه ! 

تنهدت بحسرة طمستها سريعا وإدعت الفرحة وهي تخاطبهن ببهجة مزيفة :
- ممكن تسيبونا لوحدنا شويا يا عرايس.

تغامزت الفتيات بإبتسامة ماكرة وخرجن أما هي فجلست مقابلها هامسة :
- بسم الله ماشاء الله طالعة زي القمر ياحبيبتي.

لم تجب نيجار عليها وظلت صامتة كأن على رأسها الطير فتابعت جميلة الحديث لعلها تحثها على التفاعل معها :
- أنا عارفة انك زعلانة وخايفة بس مين عارف ممكن تخلي حفيد حكمت يرجع يحبك ويسامحك وتعيشي مبسوطة معاه.

رشقتها بنظرات ساخرة صامتة إبتلعتها الأخرى على مضض عندما دلفت إحدى النساء تخبرهما بوجوب النزول الآن فتلكأت جميلة وهي ترزح بين طيات الكلمات التي تود قولها الآن فتشجعت وهمست بتلميح عندما أوشكت نيجار على النهوض :
- هنبقى نجي ف صباحيتك بكره ونطمن عليكي.

توقفت نيجار بمكانها وقطبت حاجبيها بترقب خطير لتنظر لها زوجة عمها بحزم قائلة :
- انتي كبيرة وعارفة ايه اللي بيحصل بين أي اتنين متجوزين في ليلة فرحهم ودلوقتي بقيتي عروسة في بيت الصاوي ولازم تعملي واجباتك الكاملة إتجاه جوزك.

- قصدك اني لازم استسلم وأسيبه يقرب مني مع أنه بيكرهني وبيحقد عليا وده علشان يكسرني وينتقم مني بطريقته صح.
برطمت نيجار بقهر مستشعرة بالدونية المريرة لأن عائلتها تقدمها كقربان لأعدائها حتى تنقذ نفسها من براثين غضب آدم رغم أن نيجار لم تكن لتدخل حياته أبدا لولا صفوان الذي دفعها إليه !

لـعـنـة الـخـطـيـئـة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن