الفصل التاسع عشر : ألم وغضب.

364 24 12
                                    

يقال أن إستجابة المرء للحياة مرهونة بمدى رغبته فيها، ورغبته هذه مرهونة بطبيعة المواقف التي يعيشها، والأشخاص الذين يعيشون معه !

فإن كان هؤلاء الأشخاص لا يعرفون سوى الغدر والأذية فهل سيقدر حينها على تجاوزهم والمضي قدماً أم أنه سيسقط، إثر ضربة جاءته من الخلف فأردته صريعا !!

جسد مرمي على الأرض ... أصوات متداخلة وفوضى عارمة ... طريق طويل أحست وكأنه يمتد آلاف الأميال وعبارات صارخة تفيد بوجوب الإسراع ثم قطرات دماء متسربة إثر النزيف الذي حاولوا كتمه قدر الإمكان ...

كانت جالسة في المقعد الخلفي للسيارة الكبيرة تراقبه وهو مجثي على بطنه دون أن تصدر حركة تدل على أنها مازالت واعية حتى سمعت تنهيدة فاروق الذي قال :
- أخيرا وصلنا يلا شيلوه معايا الطبيب مستنينا جوا.

استفاقت على نفسها في هذه اللحظة عندما توقفوا أمام باب السرايا ونظرت أمامها لتجد النساء في انتظاره وعلى رأسهم السيدة حكمت التي استقامت بضراوة ثم ترجل فاروق سريعا وتساعد مع الرجال كي يدخلوا آدم المغمى إليه فـ انتفضت نيجار راكضة معهم لغرفته بأنفاس محتبسة يتبعها صوت ليلى الباكي وعويل الخادمة وقبل ان تدلف معهم وجدت يدا تسحبها ثم صفعة قوية وقعت على وجهها من حكمت وهي تجلجل :
- رايحة فين هتدخلي تخلصي مهمتك اللي مكتملتش !

انتفض الحضور بصدمة بينما وقفت نيجار مع سيل الدموع المنتحرة من عينيها تشخص أنظارها فيها وروحها تبعت ذاك الجسد المتواري خلف باب الغرفة، لم تكن تدرك أنها تشهق ولم تدرك حتى بأن شهقاتها  صدحت تتبارى مع شهقات حكمت التي طالعتها بلهيب وكأن المسَّ أصابها تناظرها بعينين متوحشتين ماطرتين ملقية عليها نصيبها من طعنات إتهاماتها العاتية :
- اتفقتي مع ابن عمك عشان تقتلوه غدر يا بنت الحرام نايمة في حضنه وبتخططي ازاي تخلصي عليه ديه تاني مرة تعملي كده لتاني مرة بتحرقي قلوبنا عليه بس اقسم بربي مش هتسلمي مني ... هندمك يابت الشرقاوي واحسرك على نفسك.

هزت نيجار رأسها بصدمة تنفي الإتهامات الموجهة إليها فلم تشعر سوى بظهرها ينغرس في الجدار الصلب خلفها إثر دفعة من حكمت ولكنها لم تتألم، بل وقفت كالجثة تحدج ثورتها وسخطها باِنطفاء كما لو أنها مطعونة ...
كما لو أن قوتها نضبت لتستحيل لدمية خشبية شظفة ! 

- أنا ... أنا معملتش حاجة ...
بالكاد استطاعت إخراج كلمات متقطعة من جوفها محاولة الوقوف أمامها دون أن تذوي وتتكوم على الأرض ثم مشت خطوتين لتدخل حيث يقبع آدم مع رجاله والطبيب إلا أن حكمت جذبتها ثانية وهي تصرخ بأعلى صوتها منادية الغفير وحين صعد هذا الأخير إليها ألقت نيجار بإتجاهه :
- خدوها للمخزن تحت واحبسوها هناك.

اندهش الغفير وتململ باِضطراب فأضافت مبرطمة بقسوة :
- انت مش سامع أنا بقول ايه !

انتفض ينفذ أوامرها مع الغفير الآخر وأمسك ذراع نيجار لتسحبها منه صارخة :
- ابعد عني انا مش هروح لحته قولتلك اني معملتش حاجة ... ابعد عني بقولك لازم اطمن على آدم سـيـبـونـي !

لـعـنـة الـخـطـيـئـة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن