الفصل الحادي عشر : داخل الأسوار.

179 21 11
                                    

( قبل بضعة أشهر.
إجتمع بعض التجار مع العمدة واِتفقوا على إستيراد كمية ضخمة من الفاكهة فاِستدعى هذا الأخير آدم وصفوان وأخبرهما بوجوب تعاونهما في إتمام هذه الصفقة بما أن بساتينهما تعدُّ من أفضل بساتين البلدة وأكثرها إنتاجا.
وفي ذلك اليوم ذهبت نيجار لبساتين الصاوي حتى تتأكد من شحن صناديق الفاكهة بشكل مثالي ووقفت على رأس العمال تراقبهم بوجوم وتُملي عليهم أوامرها بحجة أن مايقومون به خاطئ.

فنظر لها أحد العمال بضيق مجيبا :
- احنا متعودين نشتغل بالطريقة ديه.

كتفت يداها ببعضهما وأردفت :
- ده لما كنتو بتشتغلو لوحدكو انما دلوقتي احنا شركاء ومينفعش يحصل أي غلط منكو لأن كده اسمنا هيتضرر معاكو.

زفر مستغفرا وتابع عمله فشعرت نيجار بالإستفزاز وكادت تتكلم إلا أن صوته الصلب الذي جاء من خلفها أوقفها :
- ايه اللي بيحصل هنا. 

اِستدارت له باِندفاع وبهتت فجأة عندما رأت الشخص نفسه الذي إلتقت به في أعلى التل منذ أسبوع ، وبحركة تلقائية أسدلت خصلات من شعرها على وجهها حتى لا يعرفها ثم تمتمت بشجن :
- ومين حضرتك.

وقف آدم أمامها وقد أحس أنه سمع صوتها من قبل لكنه تجاهل أفكاره وأجابها بجدية :
- أنا صاحب الرزق ده من بعد الله والمفروض أنا اللي اسألك انتي مين وبتعملي ايه هنا .... على حد علمي اني اتفقت مع صفوان يجي للأرض بتاعتي مش يبعتلي حرمة مكانه.

شعرت نيجار أنه يقلل من شأنها ولسعتها كرامتها من أجل الرد فنست تلبكها ورفعت عيناها مطالعة إياه بتحدٍ :
- انا بنت الشرقاوي وليا كامل الحق اجي واطمن على شغل عيلتي زيي زي ابن عمي يا ... آدم بيه.

في هذه اللحظة ركز عليها جيدا متذكرا أين رآها حتى خطرت بباله صورة فتاة التل التي كانت تمتطي فرسها في إحدى الليالي، قطب حاجباه مفكرا في اِحتمالية أن تكون نفسه ولكنه لم يستطع التأكد فتنحنح مجليا صوته وأردف :
- طبعا ليكي الحق الكامل بس انا بعتقد انك خربطتي في الأماكن ... الارض ديه ارضي والعمال بتوعي يعني محدش غيري بيمشي كلمته عليهم بتقدري تروحي لبساتين عيلتك وتديهم الأوامر براحتك محدش هيعاتبك.

فتحت فمها للدفاع إلا أنه قاطعها وهو يرفع يده موقفا إياها واِستطرد بلهجة جادة :
- انتي في ضيافتي دلوقتي  فلو احتجتي لأي حاجة بتقدري تطلبيها من العمال هنا احنا بردو ناس بتفهم في الأصول وبتقدر الضيف والغريب.

رغم لباقته في الحديث إلا أنه كان يرسل إليها تلميحات مبطنة مفادها أنها غريبة ولا يحق لها إعطاء الأوامر هنا وفهمت نيجار هذا فضغطت على طرف شفتها بغيظ مستمعة لضحكات العمال المنخفضة أما آدم فتركها وغادر....

مرت عليها دقائق وهي واقفة حتى شعرت بالملل وبدأت بنقل بصرها في المكان ولم تستطع تجاهل المناظر الساحرة المحيطة بها فوجدت نفسها تسير في البستان بإعجاب ظهر على محياها حتى توقفت مكانها مشاهدة المساحة الخضراء التي زينتها الأزهار بمختلف أنواعها وألوانها...
لمعت حدقتاها بإنبهار متأملة نوعا محددا من الورد الأحمر ذو البتلات الذهبية فاِقتربت تشمهم وأمسكت واحدة منها هامسة بلهفة :
- ايه الجمال ده كله.

لـعـنـة الـخـطـيـئـة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن