الفصل السادس عشر : ألغام.

291 22 3
                                    


" لا تنسَ أن تكون حذرا ... وأنت تخطو فوق ألغام الكراهية! "

صدر طنين مزعج من حولها فرمشت عيناها بخفة واختار العقل العودة إلى الواقع بعد رحلة الاوعي التي عاشتها ...

وبحلق جاف وأنفاس شائكة أطبقت كالسلاسل الحديدية على صدرها باعدت جفنيها، وتعطلت مداركها العقلية لثوان عندما ارتطمت نظراتها في السقف قبل أن تشعر بألم يكاد يفتك برأسها فتبدأ أحداث التهجم عليها تتدفق لذاكرتها رويدا رويدا.
وهنا انتفضت نيجار بذعر تمكن منها مستوعبة بأنه كان حقيقة وليس كابوسا خاصة عند انتشار الألم في جسدها لتنتبه إلى ذلك الصوت الذي تمقته بشدة وهو يردد :
- حمد لله على السلامة.

صدرت هذه الجملة من حكمت التي كانت واقفة بجانب السرير وتحدق بها من فوق بنظرات خبيثة تحمل كُتلا من الشرّ فنظرت لها نيجار بذهول انقشع تلقائيا وحل مكانه الجمود حينما انحنت عليها الأخرى وابتسمت بقتامة مغمغمة :
- شوفتي آخرة اللي يتجاوز حدوده معايا يا بنت الشرقاوي ... بيتضرب ضرب البهايم زيك كده.

كانت حكمت في أوج رضاها وهي تراها بهذه الحالة التي تشفي غليلها وتذكرت كيف اتفقت مع أولئك النسوة على مهاجمة نيجار ثم أرسلتلها للخارج عمدا وضربوها.
وبعدما فقدت الوعي أعادتها للسرايا وهاهي جالسة بوجه مكدوم وجسد مضروب ... مُهانة ذليلة !

بينمت التمعت عينا نيجار بحرقة وأحست بالدم يكاد يخرج منهما وهي تطالعها بحقد أهوج بنظراتها الصقيعية وانكمشت ملامحها  مكشرة بوحشية لدرجة أن حكمت ظنت بأنها ستتهجم عليها مجددا أو تنهار وتدخل في نوبة بكاء هستيرية ، بيد أنها تفاجأت حينما رأت نيجار تبتسم ببلادة وتهسّ أمام وجهها مباشرة :
- لا، أنا شوفت واحدة بتكدب وتخدع عشان تاخد حقها لأنها مش قادرة ترجعه بطريقة تانية من بنت في سن حفيدتها بس بصراحة خيبتي ظني أنا كنت متوقعة تاخدي بتارك مني بطريقة تليق بمقامك.

صمتت لبرهة مطالعة إياها من الأعلى للأسفل بشكل مستفز ثم تابعت بضحكة مستهزئة :
- خليتيني اطلع ولميتي عليا كام واحدة من الشارع عشان يضربوني ... مش حضرتك كبرتي ع الحركات ديه بردو.

اتسعت عينا حكمت لوقاحتها وجرأتها حتى بعد ما تعرضت له واحتقن وجهها بغل واضح أما هي فاِبتسمت بجلادة جعلت هذه الأخيرة تعتدل في وقفتها وتغادر الغرفة لينقشع شموخ نيجار ويحل مكانها الإنكسار وتبدأ أوصالها بالإرتجاف تتبعها دموعها التي نزلت واحدة تلوَ الأخرى شاهدة على قهرها تتذكر كيف ضُربت وقالت إحداهن أن التهجم عليها كان بتوصية من حكمت و آدم.

هل هذا ما آلت إليه الأمور هل تحولت من نيجار القوية إلى فتاة ذليلة تتعرض لشتى أنواع العنف ولا تصدر صوتا وهل ذاك الذي أعاد لها صورة والديها هو نفسه من خطط لهذه اللعبة !
عادت دموعها تنزل بشكل مضاعف وامتلأت روحها بالحقد حينما همست بنبرة متحشرجة :
- انت يا آدم تعمل فيا كده انت اللي مكنتش بتطيق نسمة الهوا تضرب وشي بس انا اتفاجأت ليه كنت متوقعة منك ايه يعني.

لـعـنـة الـخـطـيـئـة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن