الفصل الثالث: بداية جديدة
حلّ اليوم الثالث في المدينة الساحلية، وبدأت ليرين تشعر بأن حياتها التي كانت هادئة ومتكررة لسنوات قد بدأت تأخذ منحى جديدًا. ربما كان السبب هو سنان، الذي أصبح جزءًا من روتين يومها دون أن تدرك. كل صباح يأتي بابتسامته الهادئة، يتناول قهوته، ويجلس في نفس المكان قرب النافذة المطلة على البحر، يتأمل البحر أو يغوص في كتاب جديد.
في صباح هذا اليوم، قررت ليرين أن تقوم بشيء مختلف. بدلًا من انتظار قدوم سنان كالمعتاد، قامت بتحضير القهوة بنفسها، وتركت كوبًا إضافيًا على الطاولة بجانبه، وكأنها تستعد لاستقباله بطريقة خاصة.
بينما كانت ترتب بعض الكتب، سمعت الجرس يرن. التفتت لتجد سنان يدخل بابتسامته الهادئة المعهودة، لكن هذه المرة كان يحمل كيسًا صغيرًا. تقدم نحوها وهو يلوح بالكيس قائلاً: "قررت أن أرد الجميل اليوم. جلبت بعض المعجنات المحلية. إنها مثالية مع القهوة."
ضحكت ليرين قائلة: "أعتقد أنني سأصبح مدللة إذا استمررت في جلب الطعام معي كل يوم."
جلس سنان وأخذ قطعة من المعجنات من الكيس، ثم وضع الكيس على الطاولة. "يجب أن تستمتعي ببعض التدليل من وقت لآخر. المكان هادئ جدًا، لكنني لا أريد أن أكون زبونًا غير مفيد."
بينما كانوا يتناولون المعجنات ويشربون القهوة، شعرت ليرين أن الجو بينهما أصبح أكثر راحة. لم يكن هناك أي ضغوط أو حاجة للكلام المتكلف. كانت كل كلمة بينهما تحمل معنى، وكل لحظة صمت كانت مليئة بشعور بالترابط.
"أخبريني،" قال سنان وهو ينظر إليها بفضول، "كيف بدأتِ في العمل هنا؟ لا أظن أن الناس في هذا العصر يختارون العمل في مكتبة بسهولة."
ابتسمت ليرين وتنفست بعمق قبل أن تجيب: "كانت هذه المكتبة لوالدي. نشأت هنا، بين هذه الكتب. بعد أن توفيا، لم أستطع التخلي عن المكان. إنه أكثر من مجرد مكتبة بالنسبة لي؛ إنه المنزل."
أومأ سنان برأسه بتفهم، وكان هناك بريق في عينيه يعكس تأثره بكلماتها. "أستطيع أن أفهم ذلك. هناك أماكن تحتفظ بذكرياتنا وتصبح جزءًا منا."
تبادلا النظرات للحظة، ولم تستطع ليرين منع نفسها من التساؤل عن ماضي سنان. لم يكن يتحدث كثيرًا عن حياته الشخصية، لكنها شعرت أن هناك قصة كبيرة مخبأة خلف هدوئه.
"ماذا عنك؟" سألت بحذر. "لماذا اخترت المجيء إلى هذه المدينة تحديدًا؟ يبدو وكأنك كنت تبحث عن شيء محدد."
ابتسم سنان ابتسامة صغيرة وكأن السؤال أعاده إلى ذكرياته الخاصة. "لطالما أحببت البحر. منذ أن كنت صغيرًا، كنت أشعر بالسلام عندما أكون قربه. عندما بدأت الأمور تصبح معقدة في حياتي، قررت أن أبحث عن مكان يشبه هذا. لم أكن أعرف أنني سأجد مكتبة صغيرة ورفقة لطيفة هنا أيضًا."
شعرت ليرين بأن كلمات سنان تعكس شيئًا أعمق مما يظهر على السطح. ربما كان يهرب من شيء أكبر، ربما كان يبحث عن بداية جديدة، مثلها تمامًا. لكنها لم ترد أن تضغط عليه. إذا أراد أن يشاركها قصته، فسيأتي الوقت المناسب لذلك.
بينما كانت الأفكار تدور في ذهنها، قررت ليرين أن تغير الموضوع. "أتعلم؟ لقد كنت أفكر في إجراء بعض التغييرات في المكتبة. ربما أضيف ركنًا للقراءة في الخارج، حيث يمكن للناس الاستمتاع بالكتب والشمس في نفس الوقت."
أضاء وجه سنان عند الفكرة. "هذا يبدو رائعًا! سيكون مكانًا مثاليًا للقراءة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية. إذا كنت بحاجة إلى مساعدة في أي شيء، فأنا متاح."
شعرت ليرين بفرحة داخلية لرؤيته متحمسًا لفكرتها. "سأحتاج بالتأكيد إلى مساعدتك. لم أقم بأي تجديدات منذ سنوات، وأعتقد أن الوقت قد حان لتغيير بعض الأمور."
بينما استمر الحديث بينهما، شعر الاثنان أن هناك رابطًا ينمو بينهما، شيئًا يتجاوز مجرد الأحاديث السطحية. سنان كان يجد راحة في وجود ليرين، وليرين كانت تجد في سنان شيئًا جديدًا يضيء أيامها.
مع مرور الوقت، لاحظت ليرين أن وجود سنان أصبح أكثر من مجرد زائر في المكتبة. أصبح جزءًا من يومها، جزءًا من اللحظات التي تنتظرها بشغف. وكانت تتساءل في سرها إلى أين يمكن أن يأخذها هذا الرابط الجديد.
عندما حان وقت الغروب، وقف سنان ليغادر، لكن قبل أن يخرج، توقف عند الباب ونظر إلى ليرين بابتسامة لطيفة. "سأعود غدًا. ربما نبدأ التخطيط لركن القراءة الجديد."
ابتسمت ليرين وقالت: "سأنتظرك."
خرج سنان من المكتبة، لكن تأثيره بقي معها. كانت تلك اللحظات الصغيرة بينهما بمثابة بداية جديدة، شيء لم تكن تتوقعه لكنه كان ينمو بهدوء، مثل البحر الذي تراقبه من نافذة مكتبتها كل يوم.
أنت تقرأ
ليرين
Romanceليرين ، فتاة بسيطة ولطيفة تعيش في مدينة ساحلية هادئة وتدير مكتبة صغيرة تعشقها. حياتها تسير بهدوء حتى يظهر سنان، شاب وسيم ومغامر يزور المدينة بحثًا عن الاسترخاء والابتعاد عن ضغوط العمل. تجذب ليرين اهتمامه فورًا، لكنه لا يعرف كيف يعبر عن إعجابه بطريقت...