30

1.5K 34 0
                                    

انتقامي 30

اقترب منها قليلًا و هو يرفع غطاء وجهه فيظهر وجهه الوسيم الذي تعشقه و تدابع نسمات الليل شعره الاسود، ما ان رأته حتي هرعت راكضة نحوه و هو فاتح ذراعيه و يتجه نحوها بسرعة ليتقابلا في منتصف الطريق و يضمها الي صدره بقوة، سالت دموعها بغير إذن و هي تتمسح به و تمسك بقميصه بقوة و تتمتم بترجي
سلسبيل : متسبنيش
مسح على شعرها و رفع بعض الخصلات التي تمردت و غطت جبهتها ليقبلها بحنان و يقول و هو يربت على ظهرها
مروان : وحشتيني اوي.. يا حتة مني
ازدادت دموعها انهمارًا و بكت بحرقة أكثر فور سماعها لصوته الذي افتقدته حتى بللت دموعها قميصه، رفع رأسها لتتقابل نظراتهما، عيناها المغرقتان بالدموع و عينيه التي تشع إشتياقًا.. نظرت إليه متأملة بضع لحظات كأنها لا تصدق استيقاظها من ذاك الكابوس اللعين ثم دفنت رأسها في صدره مجددًا و عاودت البكاء، ضمها بقوة أكبر و هي تتشبث بقميصه باقصي ما أوتت من قوة
مروان : مش هسيبك.. معنديش استعداد اسيب قلبي بعيد عني تاني.. انا في بعدك كنت ميت.. بيحركني بس أمل اني أشوفك تاني و اضمك تاني و ترجعي ليا وحدي
ردت بصوت ضعيف باكي
سلسبيل : مش عايزة ابعد عنك يا حبيبي ولا ثانية كمان.. انا مصدقت لقيت الأمان في حضنك
مسح علي شعرها برفق ثم داعب اذنيها بكلماته الرقيقة
مروان : و انا مش هسمح لك تبعدي اصلا.. معدتش قادر اعيش من غير أكسجين
استسلمت له تركت نفسها تذوب بين ذراعيه، ولكن ليت كل جميل يكتمل، احس بثقل وزنها و تراخي جسدها التديجي، ابعد وجهها قليلًا ليتمكن من رؤيته فيجدها مغلقة العينين، تحركت معه بانسياب بدون أي مقاومة مما زاد قلقه، ابعد جسدها عنه للحظة فإذا بها كومة عظام مكسيّة بالجلد شبه الذابل، كاد يصرخ من هول صدمته ولكنه تماسك كي لا يفتضح أمرهم جميعًا، اعطي اشارة تحركه و هرع الي مشفى المنظمة غير عابئ بما خلفه ورائه لا يهمه سوا قلبه الصدِأ قلقًا.
رشحت الممرضة كشف الدكتور أحمد عليها، هز صدي الأسم جدرانه عقله، أحمد ذاك الشاب الذي وصاه عليهم مرة و كان دائمًا أشد المهتمين بمتابعة أخبارهم، لماذا ظهر فجأة من اللا شيء ليشوش فكره و يطرح المزيد من الغموض و ينثر علامات الاستفهام علي الساحة؟ أيحتاج الي ما يثقل همه اكثر من ثقله؟! لكن في النهاية وافق مضطرًا رغم غيرته علي السماح له بفحصها.
مُدِد جسدها الهزيل علي سرير ثم أُدخِل لجهاز الفحص، مرت بضع دقائق تابع فيها احمد النتائج الظاهرة علي الشاشة، تمتم فجأة بحدة خفيفة
أحمد : في في دمها سائل أسود
التفت إليه بانتباه، سمع هذا اللفظ سِبقًا
مروان : يطلع ايه السائل الاسود دة بالتفصيل معلش
رد عليه بجدية رغم عدم رفع عينيه من علي الشاشة
احمد : بص يا سيدي.. باختصار شديد هو سائل قاتل بكل معني الكلمة و بدون مبالغة.. انا بعمل الدكتوراه بتاعتي عليه.. بحاول أكتشف ازاي تركيبة من مواد كيميائية عادية تتحول لمادة فتاكة و مدمرة بالشكل دة و بحاول اكتشف علاج للضعف الشديد اللي بيأدي للموت بسببه.. الجرعة لو زادت مللي من السائل دة يبقي فيها موت شبه محتوم مش بس عذاب.. اللي انا مستغربه ان دمها فيه كمية كبيرة منه و رغم كدة هي تعتبر في حالة ممتازة بالنسبة لناس كتير من اللي جربوه
اشرق محياه و قال بتفاؤل
مروان : يعني في امل
أحمد : اكيد في بس ضعيف بردو.. انا مقدرش اخليها حقل تجارب لأدوية مش موثوق منها و من نجاحها.. و للأسف معرفش طريقة استخرج بيها السائل من دمها و دة معناه انه هيفضل يستمد من قوتها.. انا ممكن اديها مسكنات و حاجات عادية تخفف حدة الألم اللي بيقتلها دة بس مش هعرف اتخلص منه من الجذور.. اعذرني
اجابه بعدما انطفأ نور أمله
مروان : انا متفهم الوضع.. انا دكتور زيي زيك و عارف الموقف دة
أحمد : بس دة ميمنعش اني هعمل اللي اقدر عليه و زيادة عشان اقدر ارجعها لصحتها علي قد ما اقدر.. و ربنا بيسهل
مروان : والله يا أحمد مش عارف ارد جميلك ازاي.. بجد ربنا يجزيك كل خير علي اللي انت بتعمله دة
قالها بامتنان شديد، لكن فاجؤه التفات أحمد اليه بكامل جسده و رده بجدية حزين
أحمد : متشكرنيش انا.. اشكر سمير
تفحص كل ملفات عقله باحثًا عن الاسم سمير ولكنه وجد العشرات ولا يدري أيهم يقصد فاستفسر
مروان : معلش سمير مين
أحمد : أخوها.. كان اعز أصدقائي و يعتبر اللي بعمله عشانها جزء من رد جمايله
مروان : يعني وجودك في المنظمة بسبب قتله
قالها فُجائية نتيجة ارتباكه لكنه قذفه بثقل لم يكن قادرًا علي حمله الان
أحمد : تقدر تقول كدة.. سمير كان من اغلي الناس عليا و موته ساب في حياتي فراغ عملاق محدش هيقدر يملاه.. سمير كان ذكي و مغامر و متهور جدا و للاسف دة كان سبب موته و انا لما لقيت الفرصة سانحة انتهزتها و مشيت علي خطاه.. و لما لقيت اخته حاولت اساعدها بكل طاقتي و زيادة و دة اقل القليل اللي اقدر عمله عشانه.. و لو عليا يهون اقتل كل اللي ساهم في قتله و لو بحضوره التخطيط بس
كلماته فتحت جرحًا كان قد تماثل للشفاء، كساه الشعور بالذنب و كل تلك الذكريات تمر أمامه كمشاهد فيلم حُفت بالسيوف و السكاكين تمزقه، و وسط كل ذلك حصرت جملة واحدة تفكيره فيها، تلك الجملة التي قالها شريف يوم كان يعذبه "انا مهما عذبت فيك مش هشبع.. لسة فاكر.. و مش هسامحك.. و هقولها.. و هتدفعوا انتو الاتنين التمن" ، استأذن ليخرج و يروح عن نفسه قليلًا عسي عقله يرحمه و لو لدقائق معدودة، لكن من منا يستطيع إجبار عقله علي الصمت و عدم التفكير. دفن رأسه بين كفيه و هو يحاول جاهدًا السيطرة على أفكاره متجاهلًا هاتفه الذي لا يكف عن الرنين كعادته. كأن الذكريات تحب التواجد في كل حدث مؤلم لتزيده ألمًا، تكره ان يتألم الشخص لسبب واحد لا يكفيه، تحدث بعضها "دعونا نعبث معه قليلًا و نزيد همه و تذكره بخطاياه.. لا يكفيه ألم واحد.. ما فائدتنا ان لم نزد همه.. هيا يا ذكريات دعونا نغرقه في عالمنا.. دعونا نقصفه من كل صوب.. دعونا نلقيه في وسط محيطات من الأحزان" تبًا لها تلك الذكريات، و عجبًا.. اجادت تحويطه، ظهرت الصور امام عينيه و توالت الأحداث منذ صغره، كأنما كتب عليه المعاناة حتي الممات من خطأ قد ارتكبه رغمًا عنه، موت ابيه في طفولته ثم موت أخيه فأمه، ثم يد مروة العارضة افضل فرص العمل و موافقته بكل ما خلق من حمق علي أرضنا ~خطأ~ ، قبوله بالتجسس و تشممه للمعلومات من كل حدب و صوب ~خطأ~ ، تعليمها له فنون القتال و كيفية التصويب و استخدام المسدسات ~خطأ~ ، و يختتم بالتجسس علي سمير ~خطأ~ ، تحذيره له من الخطر فقط و عدم حمايته ~خطأ~ ، السماح لأخته بزيارة جارة جديد لأنه فقط يعلم مدي طيبتها حيث سبق له التجسس علي اخيها ~خطأ~ ، تحدثه معها ~خطأ~ ، اعجابه بها ~خطأ~ ، تعلقه بها ~خطأ~ ، سكره في عينيها ~خطأ~ ، حبه لها ~خطأ~ ، اخبارها عن ماضيه ~خطأ~ ، عدم إخطارها بالحقيقة كاملة ~خطأ~ ، تقدمه للزواج منها ~خطأ خطأ خطأ خطأ خطأ خطأ خطأ~ ، ظنه انه قد يحميها ~خطأ~ ، فشله في حمايتها في جوف بيتها ~خطأ~ ، السماح لهم بالاعتداء عليها و تعذيبها ~خطأ خطأ خطأ خطأ~ ، تهريبها و وضعها في خطر دائم ~خطأ~ ، موافقتها علي العودة للجنفرس ~خطأ~ ، عدم قدرته علي حمايتها مجددًا ~خطأ~ ، عدم احتجاجه علي دخولها السجن ~خطأ~ ، اتفاقه مع هذا المعتوه ~خطأ~ ، قبول وجود اخته في دولة اجنبية وحيدة ~خطأ~ ، خروجه قبلها ~خطأ~ ، تسليم قرش لهذا المحتال ~خطأ~ ، عدم الانتظار معها حتى تضع طفلتهما علي الاقل ~خطأ~ ، رضاه بولادتها اول أطفالهما في ظروف كهذه ~خطأ خطأ خطأ~ ، تركها وحيدة في ظلمات السجن ~خطأ~ ، عدم تحمله عنها العذاب ~خطأ~ ، قبوله بتفريطها في حق نفسها عليها ~خطأ~ ، عدم متابعة كل صغيرة و كبيرة تحصل لها ~خطأ~ ، عدم اتخاذه اي اجراء إثرت ضعفها الشديد ~خطأ~ ، تركها ~خطأ~ ، عدم التضحية بحياته لأجل سلامتها ~خطأ~ ، حتي معارضته للعنف ~خطأ~ ، واخيرًا حديثه مع شريف منذ يوم خُلق ~خطأ خطأ خطأ خطأ~ . فتح عينيه بقوة مخرجًا رأس من مخبئها ثم ضرب الحائط خلفه بقوة اكبر و هو يغمغم بألم و مرار
مروان : هو انا عملت ايه في حياتي صح
لمح بطرف عينه طيف أحمد خارجًا و اشارته له انها بخير فأسرع إليها، يعلم انها لم تستيقظ بعد ولكنه فقط اراد ان يرتاح جوارها، ارخي جسده علي سريرها بحذر خشية ايقاظها ثم احتضن كفها و وضعه علي صدره الذي اخد تعلو و يهبط بسرعة، سالت دمعة قهر و عجز رغمًا عنه لتشق وجنتيه و تبلل الوسادة و تشي لها بكم الندم الذي يأرقه، تلتها دمعة اخري مع تردد الجملة ذاتها علي مسامعه كأنها علقت بأذنه "انا مهما عذبت فيك مش هشبع.. لسة فاكر.. و مش هسامحك.. و هقولها.. و هتدفعوا انتو الاتنين التمن" ، تدفقت اخريات و هو يهمس بخفوت "اسف.. انا السبب في كل حاجة" ، شد علي كفها و ارخي حصاره لدموعه موقنًا أن أحدًا لن يراه. شرع يحدث نفسه قائلًا
مروان : انا عايز ارتاح.. عايز اخد بريك.. عايز افصل بس شوية صغيرة من تعب الحياة المتواصل.. انا تعبت.. تعبت و ندمان و عاجز و مقهور و طعم المرار ملا كياني.. زعلان و بتألم و غلطان و بعترف.. تعبت.. تعبت اوي من الكفاح اللي مبينقطعش دة.. تعبت
فجأة سمع صوتها الحنون المندهش
سلسبيل : مروان انت بتـ...
وضع يده على فيها و هو يقول بكل المشاعر المتضاربة داخل قلبه
مروان : اسمحيلي اضعف.. الليلة دي بس
نظرت اليه بعينين تفيض ألم و تفهم ثم امأت بالإجاب فوضع رأسها علي موضع قلبه و ترك اصابعه تتخلل شعيراتها، ضغط علي رأسها ضغطة خفيفة يحتضنه فيها و قال بأسف و حزن يعتصران قلبه
مروان : انا آسف.. آسف على كل اللي حصلك بسببي.. آسف اني مقدرتش ادافع عنك.. آسف اني مكنتش اد المسئولية.. آسف اني وعدت وعود كتير و مقدرتش أوفى بيها.. آسف علي كل اللي ممكن يحصلك بسببي.. مكنش المفروض اتجوزك.. كدة حطيتك في خطر اكبر و مقدرتش اصونك.. انا فعلا آسف.. آسف و مش عارف الأسف هيعوضك ازاي بس انا ندمان جدا علي كل حاجة.. آسف سبتك في خطر كتير.. آسف مقدرتش احميكي.. آسف سبتك وحيدة وسط وحوش.. آسف سبتك للذئاب تقطع لحمك.. آسف عشان خذلك و خيبت أملك فيا.. آسف اني ورطك و مضطر اورطك معايا في مشاكل كتير.. آسف ان بداية معرفتي بيكي تكون قتل سمير.. آسف اني كان ليا دور في كسرك.. آسف اني علي طول بجرحك.. آسف اني مكنتش الشخص اللي بتحلمي بيه.. آسف على كل حاجة.. آسف.. و يا ريت الأسف كان يعرف يعوضك عن كل الألم اللي اتصب عليكي سيول بسببي.. آسف.. و يا ريت الأسف كان بيفيد
لم تنطق ببنت شفة فقط تركته يفضي ما عنده و يخفف الثقل الذي عليه، تعلم انه لا يحتاج إلى نصيحة بقدر ما يحتاج لمن يسمعه و يتحمل معه القليل. أما هي فلم ترد سوا الأمان الذي لمس روحها و رأسها محصور بين قلبه و حضنه.
_________________________

انتقاميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن