32

1.6K 33 3
                                    

انتقامي 32

سمع طرقات خفيفة علي باب فنهض بيأس يجيب اخته، فتح الباب ليجدها امامه بوجه ابرد من الثلج، لم يكد يفيق من دهشته الممزوجة بالفرحة ليجدها قد دخلت و بدأت تعيد رص ملابسها بالدولاب، اقبل عليها بابتسامة و همس بفرحة
مروان : سامحتيني؟
نظرت ليه نظرة خاوية ثم قالت و هي منهمكة بترتيب باقي اغراضها
سلسبيل : بحاول
صمتت ثانية ثم اردفت
سلسبيل : سمير مسامحك و اداك عذرك و دة سبب بيشجعني اسامحك فبحاول
اكتست سعادة غامرة وجهه سرعان ما تلاشت و هو يقول باضطراب
مروان : انا نفسي كل حاجة ترجع طبيعبية و نعيش عادي بس...
نظرت اليه متسائلة ليكمل بتهكم مجبرًا
مروان :  بس هبقي اقولك بعدين
تأففت ثم قالت بحدة عاقدة ذراعيها امام صدرها
سلسبيل : بس ايه يا مروان مش بحب شغل اللف و الدوران و التأجيل المستفز دة
قال بنبرة تهديدية بعض الشئ
مروان : مش هيعجبك كلامي فأجليه شوية احسن
تنهدت بضجر و هي تجلس علي الفراش
سلسبيل : خلصني يا مروان
مروان : اجلي الموضوع دة.. لو مش عشانك يبقي عشاني.. عايز افوق شوية
قالها برجاء لترده بجفاء
سلسبيل : لو لسة فيها صدمات فانا افضل اني اوصل الصدمات ببعض و اموت موتة واحدة في يوم واحد بدل ما كل كام يوم دفنة
ابتلع غصة حلقه و قال مبررًا
مروان : والله انا ما كنت عايز اقولك كلمة واحدة من اللي اتقال بس غصب عني.. مش قادر استحمل الصوت اللي بيقولي انك ممكن تموتي غضبانة عليا... شريف مستحلف لك ان موتك مش هيكون الا علي اديه و انه هيقولك.. انا مش قادر اتخيل انك تضيعي مني للأبد و انتي كرهاني.. لازم اواجهك بالحقيقة دي في يوم و مش عايزه يكون النهاردة بس انتي بتضطريني.. تغضبي عليا و يمكن تكرهيني النهاردة و تطلعي غضبك عليا اهون من انك تموتي بعد ما تعرفي
استاعد وجهها بروده و استعادت نبرتها حدتها و جفائها قائلة
سلسبيل : قول
تنهد بقلق ثم قال و لم يرفع نظره من الارض خجلًا و خوفًا
مروان : انا منقلتش الشقة اللي قصادك صدفة.. كانت مهمتي اني اتجسس عليكي و اعرفك اكتر و بعدين.. احم.. اقتلك و يرجع ليا مكاني و اعلي كمان.. بس اما اتعاملت معاكي مقدرتش.. لما قابلت مروة سألتني عرفت ايه زيادة عن اللي عندهم رديت عليها باستقالتي نهائيًا و اني مش عاوز اشوفهم تاني في حياتي و هي ردت ان العصابة حياتي و مماتي.. انا مكنش عمري هقولك كدة و في وشك بالشكل دة بس الايام اجبرتني
رفع وجهه قليلًا ليلمح انفعالها الصامت و هو يهمتس
مروان : انا اسف.. اعملي فيا اي حاجة بس متكرهنيش
كانت ملامح وجهها متجمدة بصدمة؛ عيناها متوسعتان، ثغرها مفروج، و حاجباها مرفوعان بصدمة، كأنما سُكِب فوقها طن من الثلج. ظلت متجمدة بوضعيتها للحظات قبل ان تنطق رافعة صوتها بقسوة لتهشمه
سلسبيل : طلقني!
تبدلت الادوار و ارتدت عليه صدمته، توقع عدة ردود أفعال قاسية لكن لم ترد في قاموسه تلك الكلمة، لم يظن ان داء الكره سيغزوا قلبها بهذه السرعة. لا يدر أهكذا افضل، أيتقبل عقابه بصدر رحب، فهذا ما كان يتمني.. أن تعاقبه، أم كان أفضل ان تموت بعد صدمة كهذه تنطقها شفتا شريف، كانت ستكرهه بالتأكيد ولكنه ما كان ليتعذب مثلما يفعل الان، هل يندم حقًا علي فعلته أم أنه فعل الصواب حتي لو آلمه. قطع شريط افكاره صوتها ترددها بقسوة أشد من سابقتها
سلسبيل : طلقني
يريد تكذيب أذنيه، بل يريد ان يفيق من هذا الكابوس، لكن لا مفر.
سلسبيل : طلقني يا مروان.. بقولك طلقني
صاحت بها لتقابلها اجابته ببرود قاسٍ
مروان : ابدًا
اثار بروده حنقها فردت رافعة صوتها اكثر بغضب
سلسبيل : هو ايه اللي ابدًا.. متخيل اني هقدر اعيش معاك بعد كدة مثلًا
تحدث ببرود يحمل في طياته حرقة قلبه كأنما يرد متأخرًا علي طلبها الأول
مروان : مش مطلق زفت
كان يشد علي حروفه مؤكدًا ليثبت موقفه، ارتأي الغضب قناعًا متينًا يواري خلفه جرح قلبه الذي شقه نصفين، اصرارها عصف به و اراق اخر انفاس قلبه المتشقق، اصابته صاعقة كلماتها المقتضبة التي لا تحمل ذرة رحمة له ولا رافة او شفقة بحاله
سلسبيل : لا بقي ماهو لو فكرك اني هستحمل اعيش لحظة واحدة مع واحد شاكة انه ممكن يقتلني في اي لحظة تبقي اهبل
لامست تهمتها وترًا حساسًا بقلبه اثار براكين غضبه الحقيقية ليهتف بأعلي من صوتها و صوت قلبه
مروان : لا علي كدة انتي الهبلة بقي مش انا.. لما تبقي عرفاني من اكتر من عشر سنين و عمري ما لمستك بسوء و تيجي دلوقتي و تقوليلي شاكة اني ممكن "اقتلك" تبقي هبلة و متخلفة كمان
اعرضت عن اجابته مقتضبة و تركته يكمل حديثه لنفسه قاصدة باب الشقة، سمعت وقع خطواته القليلة المشتعلة تقترب منها بعدما انهي حديثه و انتبه لفرارها من شباكه، اقبض علي رسغها بقوة ألمتها خاصة مع محاولتها افلات يدها منه، صاح بها بنفس صوته العالي المثقل بنبرة حادة غاضبة
مروان : رايحة فين يا زفتة
اثار سبه انفعالها لتحرر يدها منه بقوة غير عابئة بالألم الشديد الذي سري بها من شدة سحبها لها بعنف و تهور، اخذت تتحسس يدها بفزع و تصيح بأعلي صوتها القاسي
سلسبيل : قولتلك متلمسنيش.. ايش ضمني انك مش ممكن تقطع شراييني او تكسر ايدي دلوقتي بالمسكة دي
ألم قلبه من انعدام ثقتها يحرق خلاياه مخلفًا صوت غاضب مرتفع ينفي به التهمة القاتلة التي تصر علي ادانته بها ظلمًا
مروان : تضمن لك معرفة عشر سنين و جواز تلت سنين و نص مفكرتش في لحظة فيهم أأذيكي و لو بكلمة تجرحك.. اعقلي بقي و فكري شوية لو كنت فعلًا عايز اقتلك كنت قتلتك من زمان و كانت عندي فرص بعدد الرمل بس عمري ما فكرت استغل ولا واحدة فيهم
ارتفع صوتها تصيح بانهيار تواري خلف اتهامها
سلسبيل : بس رميتني كتير يا مروان.. عمرك ما بذلت جهد حقيقي في الدفاع عني
مروان : لأني بخاف منهم و لسة بخاف منهم و هفضل اخاف منهم
قالها بسرعة بصوت عال منهار بدون أدنى تفكير، ملأ رئتيه بالهواء عله يهدأ و لو قليلًا ثم افرغهما ببطئ و قال محاولًا تفسير اعترافه بهدوء زاد انفعاله مع كل كلمة
مروان : بخاف من اي تعامل معاهم مهما كان بسيط.. شريف بردو دوقني الويل و طبيعي اخاف منه.. يمكن هو دة اللي عايزه بس الرهبة اللي جوايا مش بقدر اسيطر عليها... سلسبيل انا مرمتكيش ولا عمري هفكر ارميكي اصلا لاني بحبك.. الموضوع و ما فيه اني كنت بعمل بس اللي في قدرتي.. او المستحيل بس بعيد قدر الامكان عنهم.. دة كان مبدأي في الاول لكن لما لقيت كل حاجة دخلت منحني خطر بيعت كل قواعدي و جريت انقذك و متقدريش تنكري دة.. عارف اني محاولتش باستمامتة من الاول بس كل حاجة بالتدريج
ردت بصوتها الحاد المقتضب العالي
سلسبيل : ميشفعلكش
قالتها و اكملت مسيرتها الاولي، قطع طريقها هذه المرة بوقوفه حائلًا بينها و بين باب الشقة، ثبتها بيده التي رست علي كتفها تمنعها من التقدم، قال محاولًا كتم انفعاله
مروان : استني هنا.. سيباني ورايحة علي فين ان شاء الله
ابعدته يده عنها و هتفت بصوت مرتفع غير مبرر
سلسبيل : ماشية و سيبالك البيت لغاية ما توصلني ورقة الطلاق هكون رايحة فين يعني
طوق رسغهما بكل ما أُتي من قوة و سحبها بعنف و أجلسها غصبًا و هو يصيح بغضب
مروان : اترزعي هنا.. هو ايه اللي ماشية و سايبة البيت لغاية ما اطلقك انا مبتهددش يا ماما.. و قولتلك مش هتنيل اطلق زفت و اوعي تفتكري اني عشان عديتها مرة يبقي عادي لا يا روح امك و متفكريش تعدي عتبة البيت دهي و لو جدعة وريني هتعملي ايه
هدأ لحظة تسنشق بعض الهواء ثم اردف بنفس نبرته العالية المشتعلة بدون ان يترك له فرصة للرد
مروان : انا لو مكنتش قولتلك النهاردة ولا كنت قولتلك اي حاجة و سبتك غراقنة في اوهامك والله ما كان عمرك فكرتي في حاجة زي كدة.. عارفة انا لو كنت سيبتك علي اكاذيبك اللي انتي مصدقاها دي والله ما كانت كلمة الطلاق عدت علي قاموسك.. عجباكي الاوهام مش كدة.. و هو دة اللي هو عايزه.. عارفة بقي.. انا غلطان.. ايوة غلطان و مية غلطان لما فكرت اقولك و اطلعك من مستنقع الاكاذيب اللي انتي فيه و اكون شخص وحيد صريح معاكي في حياتك.. ما انتي كنتي عايشة معايا و حباني و انا مستخبي ورا الاكاذيب.. كان ماله الحال.. كان ضميري بيأنبني.. و ماله.. مش احسن من قلبي اللي بيتقطع دلوقتي دة.. عاجبك كدة انتي.. مش قولتلك الحقيقة بتوجع.. وافقتي اني اقولك ليه طالما انتي مش ادها.. ما انا كان ممكن اسكت يوميها و اسكت النهاردة و افضل ساكت العمر كله.. قولتيلي اقولك ليه
سكن اخيرًا ليستريح لوهلات من لهثه و صداعه، خبت صوته ليحل محله صوت الطرقات العنيفة علي باب الشقة ليهتف بحنق
مروان : مين
اجابه صوت اخته القلق المضطرب و هيتقول بتوتر
لارين : في ايه يا مروان صوتكوا جايب اخر الشارع
همت بسرعة تفتح لها الباب بهمجية و هي تقول بنبرة بدون تفكير من شدة انفعالها
سلسبيل : اقولك انا.. البيه اخوكي بيقولي....
قاطعها بدفعها بعنف اعمي يحركه الخرف للداخل حتي اصتدمت رأسها بالاريكة و هو يصيح بنبرة غاضبة مرعبة اخرستها
مروان : اخرسي انتي خالص مش عايز اسمعلك نفس
بالفعل صمتت ولكن شهقاتها لم تخمد حتى بعدما دفنت رأسها بين "شِلت الانتريه". كانت ارجلها تتخبط فزعًا و قلقًا، منذ ان عرفها و تزوجها و هو رؤوف بها و يغمرها بحنانه، لم تره يومًا يعنفها بحق و لو سهوًا، ربما كانا كثيرا الشجار لكنه كان سلميًا دائمًا، لن تكذب ان اقسمت انها لم تره بهذا الغضب منذ قابلها، بل تكاد تقسم ان تلك اول مرة تري فيه عيونه المشتعلة التي يتطاير منها الشرر، اخوها الاكبر و رفيق حياتها و لم تعهده بهذه الغلظة يومًا، سؤال واحد ظل يطرق رأسها "ماذا حدث؟"
مروان : و غوري من وشي انتي التانية مش وقتك دة
قالها بقسوة و هو يطردها طردًا صريحًا بإخراجها و قفل الباب خلفها بالمفتاح، التفت اليها و هو يلوح بالمفتاح بين اصابعه و يقول بجفاء و غلظة
مروان : المفاتيح أهي و ابقي وريني هتخرجي من هنا ازاي
إلتفتت تواجهه و تتهمه بغير رحمة هاتفة
سلسبيل : زيك زيه.. طبيعي مش متربي بينهم و واحد منهم.. كنت منتظرة منك ايه غير كدة.. ما دة طبعك من يوم ما عرفتك كل ما اقول اتغيرت بترجعله.. غضبك زي غضبه تمام بس انا اللي حمارة و معرفتش اربط او يمكن حبك نساني حقيقتك.. حقيقتك انك شريف متنكر مهما حاولت تداري
وقع كلماتها عليه كان صفعة لكنها لم تكن بقوة الكافية لإقاظه. استأنفت بنفس النبرة
سلسبيل : تسمح تطلقني بقي.. ما انا مش هستحمل كل بص في وشك اشوف وش اللي يتّمني و عذبني و دمرني
اجابها بعدم اكتراث قاسي
مروان : شوفي اللي تشوفيه.. الحقيقة هتفضل واحدة و هي اني جوزك لغاية اخر يوم في عمري
ختم الحديث بولوجه لغرفتهما و غلقه الباب بهنف خلفه، ركلت الارض بغضب و هي تلعنه و تلعن اليوم الذي جمعهما ثم هتفت متحدية بأعلي صوتها كي تسمعه
سلسبيل : طيب يا مروان.. اما وريتك.. صدقني لا انا طايقة العيشة معاك ولا انت هطيقني
قالتها و دخلت غرفة تسنيم التي كاد طول الشجار و الصدمات ينسيها ان لها طفلة من الأصل، اوصدت الباب باحكام و ارخت جسدها خلفه بتعب و تركت العنان لشهقاتها تصرخ بقهرها و خيبتها...
_________________________

انتقاميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن