(6): أحمد بن طولون

784 38 0
                                    

بعض الكلمات تكون بجنبها هذه العلامة(*)
تجدون في اسفل الصفحة المعاني لها.
________________________________

عاد الأمير أحمد بن طولون من جولة في بعض أسواق المدينة ذات مساء، فأوى إلى فراشه مطمئنًا هادئ النفس، ثم أصبح كئيبًا قلقًا كأنما حطَّ على صدره كلُّ هم الدنيا … فدعا عدة من أصحاب الرسائل* فتقدم إليهم أن يتفرقوا في المدينة يبحثون عن غلامه «لؤلؤ»، فيأتون به من حيث كان …

وكان لؤلؤ من أصحاب الحظوة والجاه عند ابن طولون، قد صحبه الأمير طويلًا ووثق به وائتمنه على سره، حتى لَيَكِلُ إليه من مهام الدولة ما لا يكل إلى ولده.

واتخذ الأمير مجلسه في «قبة الهواء»* يُسَرِّح النظر بين النيل والجبل، وفي قلبه من الهم والقلق ما به، انتظارًا لمقدم لؤلؤ …

وتفرق رسل الأمير في المدينة، يلتمسون لؤلؤًا حتى وجدوه فَوَافَوْا به الأمير في مجلسه، ومَثَلَ لؤلؤ بين يدي مولاه، وإن نفسه لتكاد تخرج مما به من الذعر والفزع …

وسأله الأمير قَلِقًا: «حدثني يا لؤلؤ: أفي غلمانك فتى أزرق أشقر من وافدة بغداد،* يشرف في الإصطبل على دوابك، اسمه محمد بن سليمان؟»
قال لؤلؤ ولم يَزُلْ ما به من الذعر والفزع: «أنظرُ يا مولاي، فإني لا أكاد أحقق وجوه غلماني.»

قال الأمير: «فإذا لقيتَه فاصرفه، أو فاقتله، فقد رأيته في المنام باسمه وصفته منذ بضعة أشهر، وفي يده مكنسة يكنس بها قصري وسائر دُوري وحُجَري، وعاودني هذا الحلم البارحة بصورته التي رأيت من قبل، كأنه إنذار من وراء الغيب بأن هذا الفتى يدبر للدولة شرًّا.»

قال لؤلؤ وقد سُرِّي عنه:* «كفاك الله يا مولاي ما تخاف.»

ثم انصرف عن مجلس سيده، وهو لا يكاد يصدق بالنجاة، وذهب إلى إصطبل الدواب، فإذا شاب أزرق أشقر في ثياب خَلَقٍ وزي رثٍّ،* فوقف إليه وسأله عن اسمه وعمله، فأجابه … قال لؤلؤ دهشًا: «ويحك! أنت محمد بن سليمان؟ فمن أين يعرفك الأمير؟»

قال الفتى: «يا مولاي، والله ما رآني قط ولا وقعَتْ عينه عليَّ إلا في الطريق، ولا محلِّي محل من يتصدى للقائه.»

قال لؤلؤ: «لقد أمرني مولاي أن أحتزَّ رأسك لرؤيا رآها …»

قال الفتى فزعًا: «وأي ذنب لي يا سيدي في الأحلام؟»

فهدأت نفس لؤلؤ، وقال: «صدقْتَ، فَتَوَقَّ — ويحك — ولا تتعرف إلى أحد من حاشيته.»

وكان محمد بن سليمان في رثاثته وخُلقَانه عينًا من عيون الموفَّق على الطولونية، وكان له دهاء وتدبير، فلم يزل يحتال لأمره من كل وجه حتى صار أدنى إلى لؤلؤ من سائر غلمانه، فصارت عينه على أسرار الدولة، ويده على أموالها؛ لمكانته من مولاه، ومكانة مولاه من أحمد بن طولون.

ومضى زمان، وإذا لؤلؤ خادم الطولونية الأول يتنكر لها ويخرج على سيده، ويحتال حيلته حتى يجتمع إليه من مال الخراج مال، فيخرج إلى الشام ثم يتخذ طريقه إلى بغداد منحازًا إلى الموفق بما اجتمع له من مال الدولة، لا يصحبه من غلمانه إلا خادمه محمد بن سليمان الأزرق.

وعرف ابن طولون كيف يدبر له الموفق وأعوانه في مصر، فأجمع أمره على خطة تحطم كبريائه، وتفُلُّ غَرْبَه.
______________________________

٥٩ المخبرين.

٦٠ قبة الهواء: مجلس من مجالس الأمير يطل على النيل، كان يعد من أحسن العمائر الطولونية في مصر.

٦١ القادمين من بغداد.

٦٢ خفَّ بعضُ ما به.

٦٣ بالي الثوب قبيح الزي.

قطر الندى ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن