(21): عروس من القاهرة

580 23 0
                                    


قال الخليفة: «فقد أنكرتَ مني يا أبا بكر بعض ما رأيت، وأنت من أنت حكمة ودُربةً وأصالةَ رأي، فكيف باللهِ يظن بي ولدي عليٌّ، وقد رآني أسبقه إلى عروس لعلها كانت بعض أمنيته، وإنه لشاب حَدَثٌ لم تصقله تجارب الأيام!»

قال أبو بكر: «فكيف تراه يظن بك؟»

قال الخليفة: «فمن أجل ذلك دعوتك إلى الحديث؛ لتعرف عني فتديره على الرأي.»

قال أبو بكر ضجرًا: «هيه!»

قال الخليفة: «فوالله يا أبا بكر، مالي أَرَبٌ في هذا الزواج، ولا كان من همي، وما يخفى عنك ما بيني وبين خمارويه، ولكني قد أيقنت أنه لم يُرِدْ بهذا الزواج إلا أن يَنْصِبَ لنا شَرَكًا قد اجتمعت أطرافه في يده، فأجمعْتُ أمري على أن أصيده بِشَرَكِهِ.»

قال أبو بكر: «ثم ماذا؟»

قال الخليفة: «ثم يكون ما تحمده من العاقبة إن شاء الله.»

قال أبو بكر، وقد بدا في وجهه أنه لم يقتنع: «فلعل الله أن يكشف لي …»

قال الخليفة ضاحكًا: «فقد انكشف لك ما أريد أن تحمل عليه ولدي، حتى لا يجد في نفسه مما يُؤَوِّله بسوء ظنه.»

قال أبو بكر، وقد بلغ منه الضجر مبلغًا: «وتريدني — أيضًا — على أن أحمل ولدك على رأي لا أومن به، ولا أعرف وجهه؟»

قال الخليفة: «بل قد عرفتَ، فاذهب مكلوءًا فلعله ينتظرك الساعة لتردَّ إليه الطمأنينة وروح الرضا.»

ونهض الشيخ متثاقلًا، وهو يُحَوقِل ويسترجع،١٢ وكأنما يحمل على كتفيه المعروقتين هم الدولة جميعًا، واتخذ طريقه إلى حيث يعلم أنه سيجد الفتى فيتحدث إليه بما أراد أبوه …

•••

وكان الفتى وحيدًا في بيته، قد ألقى يديه مشتبكتين في حجره وتسرحت أفكاره في أوديتها، فلم ينتبه إلى مؤدبه حين دخل إلا وقد اتخذ مجلسه إلى جانبه، وقال الشيخ باسمًا: «فيم كانت تحدثك نفسك يا بنيَّ حين ألقت حجابًا بينك وبين الطارق المَشُوق إليك فلم تأذن له حتى أذن لنفسه؟»

قال الفتى، وقد اصطنع الهدوء وانفرجت شفتاه عن ابتسامة تشبه أن تكون عبوسًا: «لا إذن عليك يا عم، إنما كنت أفكر في الأمر الذي قعد بك حتى الساعة عن مجلسي، وإني لفي انتظار مقدمك.»

قال الشيخ، وقد وجد بابًا إلى الحديث: «فإني قادم الساعة من حضرة أمير المؤمنين، وقد شهدت من أمره أمرًا، آمل أن ينتهي قريبًا إلى عاقبته …»

قال الفتى: «ماذا؟»

قال أبو بكر: «إن أباك يا بني داهٍ لا يُسْبَرُ غَوْرُهُ،١٣ وإني لأرجو أن يقيم الله به عمود الدولة من مَيْل، وقد أجمع اليوم على خطة لعلها أن تكون سبيلًا إلى شد أزر الدولة وتوحيد كلمتها.»

قطر الندى ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن