(4): أحمد بن طولون

1.2K 49 0
                                    

بعض الكلمات تكون بجنبها هذه العلامة(*)
تجدون في اسفل الصفحة المعاني لها.
_______________________________

وعلا نجم ابن طولون وذاع صيته، فإن حديثه ليدور على كل لسان في مصر وفي سامرَّا، أما المصريون فقد رضُوا مذهبه وحمدوا سيرته، وقد اتخذ ابن طولون من أعيانهم بِطانة* يتألَّف بها من يليهم* من الأتباع، فيهم وجيه قومه محمد بن هلال، وفقيه الجماعة محمد بن عبد الحكم، وكبير التجار معمر الجوهري، وراهب القبط أندونه، فكانوا سببًا بينه وبين الشعب،* فراحت وفودهم تسعى إلى الخليفة المعتمد في سامرَّا، يشكرون عدله وحسن رعيته، ويطلبون تثبيته على عرش مصر.

كذلك كان أمر الشعب معه، أما أبناء الحكام وعمال الخليفة في المرافق الدنيا،* والطارئون على مصر من الشام وبغداد، وما يليها من بلاد الشرق، فقد رأوا في سيرته ما حملهم على اليقين بأنه قد يُبَيِّت النية* على الاستقلال بمصر، فمنهم من غار ونفِسَ عليه ما بلغ،* ومنهم من خاف مغبَّة ذلك* على مستقبل دولة الخلافة، فراحوا يسعون به إلى الخليفة، يزعمون أنه بسبيل التغلب على مصر والعصيان بها.

وعرف ابن طولون ما يدبَّر له فأعد عدته للدفاع، واتخذ جيشًا فيه مائة ألف فارس وما لا يحصى من الرَّجَّالة، وعديد من سفن الغزو، وعَتَاد الحرب في البر والبحر، وأرضى طموح المصريين بما أنشأ من المصانع والدور والقصور، وزيَّن حاضرته زينة يباهي بها حواضر الملوك، ووثق آصرته* بالشعب بما زاد من حِبَائِهِ* وبره، وجلس للعامة يستمع إلى مظالمهم، وراح يتفقد الأسواق، ويطوف على حماره بالليل وحيدًا في الأزِقَّة يستطلع طِلْعَ الناس، وما يكون من خبرهم إذا خَلَوْا إلى أنفسهم وذوي خاصتهم …

واتخذ العيون* يرصدون على أعدائه حركاتِهم في مصر وفي بغداد وسامرَّا، واصطنع له في دار الخلافة سفيرًا يكتب إليه بكل ما يبلغه من أخبار السُّعاة،* ورصد الأموال العظيمة لاصطناع الأولياء من حاشية الخليفة ومن يلوذ به، وأحدث صهرًا بينه وبين الخليفة المعتمد، واستخدم لأمره جماعة من الجوهرية وسراة التجار* في بغداد يبذلون عن أمره الأموال والهدايا لرجال الدولة، ليقيدوهم على طاعته والولاء له، تارة بالدَّيْن يوثقونهم به على الولاء، وتارات بالعوارف* والألطاف يبذلونها باسم الأمير لكل من يتوسمون فيه النفع، أو يدفعون به المضرة والمنافسة … فخرست الألسنة، وتقاصرت الهمم، ولم تبقَ إلا قالَةُ الخير على كل لسان.

وأخذ سلطان الدولة الطولونية يتسحب على ما يجاورها من بلاد الخلافة شيئًا بعد شيء، فلم تمضِ إلا سنوات، حتى امتد ملك ابن طولون من حدود المغرب إلى أكناف العراق، كما رجاها أبو يوسف يعقوب بن إسحاق،* واجتمع له الخراج والبريد والقضاء، وصار له شعار وراية واستقلَّ، فما ثمة رباط يربطه بالدولة إلا ما يؤدِّي إليها من الخراج في كل عام.

________________________________

٣٤ بطانة: أصحابًا يلازمونه.

٣٥ من يليهم: مَنْ وراءهم.

٣٦ صلة بينه وبين الشعب.

٣٧ المرافق الدنيا: المصالح الصغيرة.

٣٨ يببيت النية: يعقد العزم.

٣٩ نفِسَ عليه: استعظم بلوغه.

٤٠ مغبة ذلك: عاقبة ذلك.

٤١ آصرته: علاقته.

٤٢ حبائه: كرمه.

٤٣ الجواسيس.

٤٤ الذين يسعون بأخباره إلى الخليفة.

٤٥ أغنياء التجار.

٤٦ الهدايا.

٤٧ انظر الفصل الأول.

٤٨ هو ثائر من البصرة ثار على الدولة واتخذ له مذهبًا جديدًا في الدين وفي السياسة، يشبه الشيوعية، وألف من أتباعه جيشًا يحارب الخليفة، وتشتهر هذه الثورة في التاريخ باسم «ثورة الزنج» اقرأ قصة «الثائر الأحمر» لعلي أحمد باكثير.

قطر الندى ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن