(5): أحمد بن طولون

1.1K 47 0
                                    

بعض الكلمات تكون بجنبها هذه العلامة(*)
تجدون في اسفل الصفحة المعاني لها.
______________________________

استفحل الخطر على الدولة العباسية في بغداد، وأوشكت وحدتها أن تتفرق، وضغطتها الحوادث من الشرق ومن الغرب، أما في الشرق فقد بلغ عَلَوِيُّ البصرة «صاحب الزنج»* من القوة ما بلغ حتى أوشك أن يصير إليه أمر المشرق كله، وأما في الغرب فكان أحمد بن طولون.

والخليفة المعتمد على الله في قصره من بغداد مشغول بالقصف* والغناء والشراب، لا يكاد يعنيه من أمر الدولة شيء، قد كفاه أخوه طلحة «الموفَّق» أمر صاحب الزنج بالبصرة، وبذل لحربه كل ما يملك من حَوْلٍ وحيلة، وجرد له كل ما تقدر عليه الدولة من جند وعتاد … وكفاه أحمد بن طولون نفسه بما وثَّق من أمره عند الخليفة بالمال والصهر وتمويه الحديث.*

وبدا للناظر من بعيد أن الدولة الإسلامية العظمى قد أوشكت أن تنهار وتتناثر قطعًا لا يمسكها سبب، ولم يكن يحمل همَّ الدولة كلها يومئذ إلا رجل واحد، هو الموفَّق أخو الخليفة، ولكن الموفق يومئذ مشغول بأمر صاحب الزنج، فمن ذا يكفيه أمر أحمد بن طولون؟ …

ولم تكن ولاية العهد يومئذ خالصة لرجل واحد، فقد جعلها المعتمد من بعده لرجلين، ولده جعفر المفوَّض، ثم أخيه طلحة الموفَّق.

ولم تكن شئون الدولة كذلك في يد واحدة تديرها كيف تشاء، فقد قسمها المعتمد بين وليَّيْ عهده، فولى ولدَه مصر والمغرب، وخص أخاه الموفَّق بالمشرق، وقد كان الموفق بما في طبيعته من الصرامة والحزم أهلًا لما ولي ليرُدَّ عن الدولة عادية الخوارج في المشرق، ويجْتَثَّ جذور الأحقاد، ولكن المفوض بطبيعته الرِّخْوة لم يكن أهلًا لما ولي … وهل كان ممكنًا أن يبلغ ابن طولون ما بلغ لو أن مصر والمغرب كانا إلى رجل فيه مثل صرامة الموفق وحزمه؟ …

على أن الموفق لم يكن يومئذ في غفلة من أمره، وهو يرى الدولة الطولونية تمد مدها حتى تبلغ أكناف العراق وتكاد تصل إلى حاضرة الخلافة، فكيف يقف هذا السيل المكتسح قبل أن يجرف في طريقه دولة بني العباس؟ كيف، وما له يد على ابن طولون، وليس إليه الأمر في شأن من شئون الغرب؟ …

لقد قضى زمانًا يدس الدسائس لأحمد بن طولون، ويؤلِّب عليه* جيرانه فما أجدى ذلك عليه شيئًا، فما بقي إلا أن يسفر عن وجهه ويباديه العداوة صريحة، ولكن من أيِّ سبيل؟ …

بلى، إن ثمة حيلة لعله أن يبلغ بها: إن مصر خزانة السلطان وفيها أمواله — كذلك يراها الموفق — وقد كانت حرب الزنج غرمًا اقتضى الخليفة أن يستدين للإضاقة* كي ينفق على الجيوش التي يقودها لحرب صاحب الزنج، أفلا يبذل ابن طولون شيئًا من خزانة السلطان عونًا لجيش الخليفة إن كان على الولاء للدولة؟ …

وبعث الموفق إلى ابن طولون يطلب معونته بالمال على قتال صاحب الزنج، يريد بذلك أن يجعله بين أمرين: الطاعة الصريحة، أو العصيان السافر.

قطر الندى ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن