الجزء 1..

746 16 1
                                    

-

كانت تقف عند حافة الجرف تفكر بإلقاء نفسها نحو الأسفل، داقت درعا بنصف الحياة التي تعيشها لا شيء مما سعت نحوه قد تحقق الفشل فقط من رافقها في طريقها إلى الآن..
فكرت أنها إن ألقت نفسها من ذلك الارتفاع سترتاح ستنتهي معاناتها وسيتوقف الجميع عن انتقاذها ووصفها بالفاشلة فقد كانت الوحيدة من بين صديقاتها التي لا تزال دون عمل، دون زواج دون شيء يذكر في حياتها فلما تظل هكذا إن كان مجرد سقوطها من هناك سينهي معاناتها مع كل تلك الديون والفواتير التي تحتاج للدفع..

أغمضت عينيها واقتربت من الحافة لتلقي بنفسها نحو الأسفل، لكنها تفاجأت بيد تجرها نحو الاتجاه الآخر، سقطت أرضا ففتحت عينيها لترى ما الذي جرى كيف انتهى بها المطاف أن تكون مازالت حية..

- هل جننت، هل تظنين أن الانتحار سيحل مشاكلك التي تعانينها..؟!

فاجأها ذلك الصوت الذي ظهر من خلفها والذي كان لا يزال متمسكا بها لا يريد تركها..

التفتت وراءها لترى من تدخل في قرارها بعدما استجمعت شجاعتها للإقدام على تلك الخطوة أخيرا، فبعد معاناة لساعات استطاعت أخذ الخطوة والتقدم للأمام لكن شخصا متطفلا تدخل في الأمر، ظنت أنها اختارت مكانا بعيدا لا يصله المارة تستطيع فيه اتخاذ قرارها دون تدخل من أحد..

سحبت يدها من يده:
- من أنت لتتدخل في حياتي وما شأنك أنت إن انتحرت أم لم أفعل..!!

- هل تظنين أن بفعلك لذلك ستنتهي معاناتك؟ كيف تتركين كل شيء خلفك وترحلين بهذه الطريقة الجبانة..؟!

- ما دخلك أنت بي لما تعترض طريقي وتتدخل في شؤوني..!!

تمعنت فيه قليلا، لقد كان يبدو شابا في أواخر عشرينياته، يرتدي ملابس التسلق ويحمل حقيبة على ظهره، امتلأت ملابسه ترابا كمن سقط في مكان ما، كان ذلك اليوم بداية الأسبوع من سيذهب لتسلق المرتفعات في بداية الأسبوع سوى مجنون أو عاطل عن العمل مثلها..

- أتفكرين حقا في الموت؟! الحياة تستحق أن نعيشها حتى آخر لحظة، لا شيء يستحق أن نموت لأجله..

- عندما لا تملك في حياتك خياراتك يكون الخيار الوحيد أمامك أن تلقي بنفسك من سطح منزلك أو أن تذهب لمكان مهجور كما أفعل الآن..

- ما الشيء الضخم الذي يجعل خيار الانتحار هو الأمر الوحيد المتاح أمامك؟! أخبريني يمكنني أن أساعدك بحله قد تتراجعين عن قرارك..

بدأت بالضحك بصوت عال ثم عادت لتقف عند حافة الجرف..

- لقد امتلكت الشجاعة للاقدام على هذا الأمر بصعوبة دعني أنهي الأمر وأكمل طريقك دون أن تهتم لي..

عاد ليجرها من يدها بعيدا عن الجرف..

- قبل أن أعرف السبب الذي يجعلك تريدين الانتحار من أجله لن أتركك أبدا، إن كان سببا مقنعا سأرمي بك للأسفل بنفسي لنتحدث أولا..

جلسا على الأرض وكان ما يزال ممسكا بيدها يرفض تركها..

- اترك يدي أولا..

- لن أتركها حتى تعديني بأنك لن تعودي للحافة قبل أن تخبريني بأسبابك..

- حسنا اترك يدي.. لماذا أنت مهتم بمعرفة أسبابي، لما أنت مهتم بغريبة تراها لأول مرة..؟!

- أريد أن أعرف ما الشيء الذي قد تجعل فتاة مثلك تتخلى عن حياتها بتلك السهولة من أجله، لقد ظننت أن الجميع يحاولون التمسك بحياتهم ليظلو على قيد الحياة، أظن أني كنت مخطئا..

- من يتمسكون بحياتهم يملكون أسبابا ليعيشوا من أجلها أما من يتخلون عنها مثلي فهم من لا يظل يربطهم بالحياة شيء، نحن لا نعيش نحن نتنفس فقط وهذه لا تسمى حياة الموت أفضل..

- من الغريب أن تكون فتاة في مقتبل العمر مثلك ترى الحياة بهذا السواد، لما لا ترين شيئا ما يستحق العيش من أجله..؟!

- الحياة تخلت عني منذ زمن بعيد، منذ أن استيقظت فوجدت نفسي مدانة بمبلغ ضخم لم أستفد منه حتى، عندما أحلامي كلها تحولت لسراب، عندما لم أحصل على الوظيفة التي تلائم قدراتي، عندما تخلى عني الشخص الذي ظننته يحبني ليرتبط بأقرب صديقة لي..

بدأ بالضحك بشكل هستيري، أما هي فكانت تنظر له باستغراب دون أن تفهم ما الداعي لذلك الضحك..

- لقد ظننتك حقا تملكين أسبابا مقنعة للتخلي عن حياتك في حين هناك من يريد أن يدفع كل ما يملك ليظل على قيد الحياة، يمكنني أن أدفع ديونك وأحقق لك ما تمنين في حين أن تمحيني قليلا من سنوات عمرك لكن ذلك مستحيل أليس كذلك؟! من الغباء أن تفكري في الانتحار لهذه الأسباب التافهة..

نهض من مكانه حيث كان يجلس قبالتها وأكمل طريقه نحو قمة المرتفع، لحقت به تركض..

- ماذا هناك لما أصبحت غاضبا فجأة، لما تركتني ورحلت هكذا..!!

- إن أردت الانتحار اذهبي لن أمنعك، لكن أظن أنه من السخافة أن تتخلي عن حياتك من أجل شيء تملكين القدرة على تغييره ببدل بعض الجهد، أما أنا فمهما فعلت لن أستطيع الحصول على حياة أخرى..

- ماذا تقصد بذلك؟ لقد أخبرتك عن أسبابي فلما لا تخبرني أنت عما بك..

- أنت تريدين التخلي عن سنوات حياتك بسهولة، لكني أقاوم جاهدا لأستمر في هذه الحياة لسنة أخرى فقط، فقد أخبرني الأطباء ربما لن أتعدى الستة أشهر قبل أن تنتهي حياتي يا لسخرية القدر، لقائي بك اليوم جعلني أحس بالظلم والسخط كيف لا تدركين النعمة التي تملكينها وتريدين التخلي عنها بهذه السهولة..

تركها واستمر في طريقه، عادت هي أدراجها نحو المدينة وقررت البحث عن عمل مرة أخرى فقد بقيت أيام قليلة لدفع إيجار المنزل الذي تقيم به، ودفعات الدين الذي لازال يثقل كاهلها..

لم تعرف إن كان قرار التخلي عن فكرة رمي نفسها من ذلك الجرف صائبا أم لا لكنها شعرت بالضيق بعد حديثها مع ذلك الشخص، فأن تعرف أن حياتك أيامها معدودة وتدرك متى سوف تحين نهايتك شيء قاس لا يستطيع أي شخص تحمله، لكنه كان مختلفا عنها ليس ضعيفا مثلها قادرا على تحمل ذلك القدر المحدق به..

رأت عينيه تتحدا ضعفها واستسلامها لكل ما تعانيه حياتها، كيف تكون هي بذلك اليأس بينما هو يتمسك بالأمل...

يتبع

#عمر_واحد_لا_يكفي

#Rain_Drops

© Rain

عمر واحد لا يكفي(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن