الجزء 2 ..

293 14 1
                                    

بعد مرور عدة أيام..

ظلت تبحث طويلا عن عمل لتجد عملا بأحد المقاهي، منذ أن كانت تدرس بالجامعة وهي تمتهن هذه المهن في وقت فراغها، أما الآن فهي تستعين بها للعيش حتى إيجادها للوظيفة التي تتمناها وتلائم قدراتها..

حملت كوب قهوة لزبون في آخر المقهى بجانب النافذة كان ينظر لقطرات المطر المتساقطة على النافذة ويبتسم، وضعت أمامه كوب القهوة..

- تفضل سيدي قهوتك..

رفع رأسه ليشكرها فتفاجأ بأنها هي، وهي الأخرى لم تتوقع أنها ستلتقيه في ذلك المكان..

- أرى أنك عدلت عن فكرة الانتحار..!!

- أخفض صوتك، هل تريد من الجميع أن يعرف أني كنت أرغب بالانتحار..؟!

- إن كنت تخجلين من الأمر لما كنت تريدين القيام به منذ البداية..!!

- أخبرتك أن لا شأن لك بالأمر، لقد سمعت أنك زبون منتظم هنا لذلك أحضرت لك قهوتك المرة المقبلة تعال لتأخذها بنفسك كباقي الزبائن..

- هل تسكنين بالقرب من هنا..؟!

- ما شأنك أنت بمكان سكني؟ عن إذنك استمتع بقهوتك..

عادت لمكانها حيث تستقبل طلبات الزبائن، بدا غريبا بالنسبة لها أن ترى ذلك الشخص مرة أخرى فقد تمنت ألا تلتقيه مجددا بعدما حصل عند الجرف ذلك اليوم، لكن من الآن ستراه كثيرا طالما هو زبون منتظم بالمكان..

بعد أن أنهت عملها خرجت من المقهى كان المطر لازال يتساقط..

- يا إلهي نسيت مظلتي بالبيت..

- ما رأيك أن نتشارك بمظلتي..؟!

نظرت بجانبها فكان يقف ذلك الشخص بجانبها يحمل في يده مظلة..

- ألم تغادر منذ مدة ماذا تفعل هنا..؟!

- كنت أنتظر انتهاءك من العمل..
- تنتظرني أنا لما تفعل ذلك..؟!
- عرفت أنك فتاة مهملة وستنسى مظلتها لذلك انتظرتك لنتشارك المظلة..

- أنت شخص سخيف، هل تظن أني سأتشارك المظلة مع شخص غريب..!!

- شخص غريب..!! أنسيتي أني من أنقذت حياتك..

- لقد جعلتني أكره حياتي أكثر من ذي قبل وليس إنقاذها..

قالت تلك الكلمات وركضت تحت المطر ذاهبة لوجهتها دون أن تلتفت للوراء..

ابتسم واستمر في طريقه، كان يتمشى هنا وهناك في أرجاء المدينة فمنذ أن علم بمرضه وهو لا يفعل شيئا سوى التمشي في الأرجاء دون وجهة أو هدف..

عاد للمنزل فكانت أمه في انتظاره تطل من النافذة بقلق، ذهبت للباب مسرعة عندما رأته قادما..

- أين كنت طوال اليوم إنك تجعلني قلقة..؟!

- أتخافين أن أفقد الوعي في مكان ما؟! لقد قال الطبيب أني لم أصل تلك المرحلة بعد..

- دعنا نجري العملية، ونبدأ العلاج قد يحالفنا الحظ وتشفى لما لا تريد المحاولة حتى..؟!

- أمي لقد تحدثنا بالموضوع أكثر من مرة هل تظنين أني لا أريد أن أتعافى، لكني لا أريد أن أقضي الأشهر التي بقيت لي في الحياة على سرير بالمشفى أفضل قضاءها في التجول بالمدينة.. لا تقلقي سأكون بخير..

نزل والده من الدرج:
- عليك مراعاة خوف والدتك عليك، اقضي وقتا أطول معها إنها تفتقدك عندما تظل خارجا..

- حسنا أبي سأحاول فعل ذلك..

جذبه من يده وهمس في أذنه:

- هل التقيتها هل تذكرتك..؟!
- إنها لا تتذكرني، لا أظنها ستتذكرني..

- عما تتهامسان وحدكما..

- لا شيء إنه حديث رجال، لنحضر العشاء معا عزيزتي، غير ملابسك وانضم لنا..

صعد لغرفته بدل ملابسه ونزل ليتعشى مع والديه، بعد ذلك عاد لغرفته كان ألبوم صوره ملقى على السرير حمله وفتحه، كانت صوره وهو صغير رفقة فتاة بالمدرسة..

- لقد تغيرت حقا لقد كانت فتاة سعيدة عندما كنا صغارا، كانت دائمة الابتسام والضحك، أما الآن فكل ما يشغل تفكيرها هو جمع المال لدفع ديونها المتراكمة، لقد كانت فتاة ذكية فكيف انتهى بها الأمر ضحية لكل تلك الديون..

دخل والده غرفته وجلس بجانبه على السرير وأمسك من يده ألبوم الصور..

- لابد أنها تغيرت كثيرا، هل مازالت جميلة كما كانت عندما كنتما طفلين..؟!

- لا أدري لم أعد أرى أي جمال بها، كل ما تفكر به الآن هو جمع المال لدفع ديونها، تعمل عدة أعمال باليوم لا أعرف إن كانت تجد الوقت لتنام..

- لابد أنها عانت كثيرا بعد وفاة والديها لقد تعرضا لحادث وهي بالسابعة عشر واضطرت لأن تعيش بمفردها كل تلك السنوات وتعتمد على نفسها، لقد عانت كثيرا وتحملت أكثر لا تلمها..

- أعرف ذلك لذلك أحاول مساعدتها، لكن أظن أني لا أستطيع فعل ذلك الآن..

- لا أحب أن أراك متشائما هكذا لقد اتفقنا أننا سنتمسك بالأمل حتى النهاية، لا تجعل والدتك تقلق أنت تعرف كم تحبك..

- سأحاول فعل ذلك أعرف أني أسبب لكما فقط الألم الآن لكن أنت تعلم يا أبي أنه ليس بيدي..

- لا تقل ذلك فأنت إبننا الوحيد الذي نعتز به، نم لك قليلا ولا تنسى شرب دوائك تصبح على خير..

تركه والده وخرج كانت أمه تقف عند باب الغرفة دموعها تتساقط على خذيها فاحتضنها زوجها:

- لا تظهري هذا الوجه اليائس أمام ابننا إنه يحاول التمسك بالحياة جاهدا من أجلنا، لنذهب لغرفتنا..

جلس بمفرده في الظلام بجوار النافذة يستمع إلى صوت قطرات المطر التي ترتطم بالنافذة، مرت سنوات طويلة منذ أن أتى إلى هذه المدينة تأخر كثيرا في العودة الآن فقط يدرك ذلك، لقد تمنى أن يخبرها أنه عاد أخيرا كما وعدها قبل رحيله لكن تأخره حال بينه وبين ذلك فكلما رآها عقد لسانه عن الكلام، كيف لم يعرف بأنها فقدت والديها وعاشت وحيدة كل تلك السنوات لقد كان صديقا سيئا حقا..

يتبع

#عمر_واحد_لا_يكفي

#Rain_Drops

© Rain

عمر واحد لا يكفي(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن